حكم السوري الذي يمتلك الدولار... تضارب حكومي بين تجريمه وتبرئته

ما هو المسموح وما هو الممنوع، متى يكون جرمًا ومتى يكون حقًا للشخص؟.. لطالما كان تداول وحيازة القطع الأجنبي في سوريا من المسائل الشائكة التي تتخبط فيها الحكومة، والتي لا يفهمها الناس جيدًا.

تناولت إحدى الصحف الحكومية هذا الموضوع، وادعت أن "التداول هو المجرّم وليس الحيازة"، مستشهدةً بأن الضابطة العدلية وإدارة الأمن الجنائي قد ضبطتا ثلاثة مكاتب لبيع السيارات في منطقة الزاهرة القديمة وابن عساكر بدمشق تقوم بتسعير السيارات وبيعها بالدولار الأمريكي واليورو بما يخالف المرسوم التشريعي رقم “54” لعام 2013 وتعديلاته المتعلق بمنع التعامل بغير الليرة السورية.

وأوضح المركزي في بيان على قناته عبر تلغرام أنه تم إغلاق المكاتب المذكورة وختمها بالشمع الأحمر، ومصادرة مبالغ مالية بعملة الدولار الأمريكي واليورو والعملات الوطنية الناجمة عن الجرم وتوقيف القائمين على هذه المخالفات ليصار إلى تنظيم الضبط اللازم بحقهم وإحالتهم إلى القضاء أصولاً.

وأكد المركزي استمرار متابعة مثل هذه المخالفات في كل القطاعات والمهن، داعياً المواطنين إلى عدم التعامل بغير العملة الوطنية كوسيلة للتسعير والبيع والشراء حرصاً على عدم تعرضهم للإجراءات القانونية بما في ذلك المصادرة والغرامة.

متى يكون التعامل بالدولار جرمًا يحاسب عليه القانون؟

ينص المرسوم 54 لعام 2013 على تشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة السورية، ويعني ذلك أنه لا يجوز شراء أو بيع سلعة ما، أو دفع أو قبض ثمنها، بعملة غير الليرة السورية، أو حتى عقد الصفقات التجارية من أجل شراء أو بيع بضاعة معيّنة بغير الليرة السورية.

وتتابع الصحيفة الحكومية في شرح القانون: "لكن حيازة العملات الأجنبية من دون تداولها خلال الاستخدام اليومي، فهذا الأمر مسموح ويخرج عن دائرة التجريم، وتعني الحيازة بموجب القانون السوري وضع اليد على شيء، والظهور بمظهر المالك بمواجهة الغير، ويجوز كسب الشيء بحيازته إذا كان منقولًا مثل النقود. أما التداول فيعني بيع وشراء الأوراق المالية من خلال السوق، والصفقة تعني عملية التقاء أمر بيع وأمر شراء على ورقة مالية محددة، وفق تعليمات التداول في سوق دمشق للأوراق المالية."

وهذا الكلام يحمل شيئًا من التخبط والتناقض وفقًا لآراء الخبراء، فما تسميه الحكومة "سماحًا بالحيازة"، يعني أن الشيء الوحيد الذي يُسمح لك فعله بأي مبلغ من الدولار تحصل عليه هو أن تبيعه مقابل الليرة السورية مقابل سعر الصرف المعترف عليه رسميًا ولقنوات الصرافة الرسمية.

والغريب بالأمر أن القانون ذاته الذي يجرّم شراء الدولار وتداوله إلا من القنوات الرسمية والمرخصة، لا يهتم كثيرًا كيف حصلت على الدولار طالما أنك مستعد لبيعه لهم مقابل الليرة (عندما تكون البائع)، لكنه سيحاسبك حسابًا عسيرًا لو قررت شراء الدولار من السوق السوداء، ولن تقوم أي جهة صرافة رسمية ببيعك القطع الأجنبي وفقًا لسعر الصرف الرسمي.

وحتى مبدئ السماح بالحيازة الذي تفسر به الحكومة تناقضها بهذا الصدد لا يتم تطبيقه كما ينبغي، حيث حصل مع العديد من التجار (من غير المستوردين) أن يتم اعتقالهم ومصادرة ممتلكاتهم وأموالهم لمجرد اكتشاف حيازتهم الدولار، حتى ولو كانت فواتيرهم بالليرة السورية.