الأخطر في العالم... هكذا تتحكم المافيا بالاقتصاد الإيطالي وتربك أوروبا بأكملها
لا يمكن التطرق إلى موضوع المافيا في العالم بدون ذكر المافيا الإيطالية، فهي بدون شك من أقوى وأكثر التنظيمات سلطةً في أوروبا. وإذا كان الحديث عن المافيا الإيطالية فإن شبكة "ندرانجيتا" هي الرائدة والأهم في هذا المجال، فميزانيتها وأرباحها السنوية تجتاز بالفعل ميزانية دول بأكملها.
نشأت شبكة "ندرانجيتا" الإجرامية الإيطالية منذ خمسينيات القرن المنصرم، وقد انطلقت بداياتها من منطقة كالابريا الواقعة جنوب غربي إيطاليا والتي كانت تشهد آنذاك غياباً كبيراً للقانون وانتشاراً للفساد.
ويصفها الخبراء والمحللون بأنها "جماعة إجرامية تقليدية"، بناءً على هيكلها التنظيمي والعلاقات بين الأفراد، إذ تضمّ المجلس الأعلى للمنظمة، بالإضافة إلى القسم الذي ينضوي تحته جميع العشائر ممثلة على قدم المساواة، ويتكون هذا القسم أساسا من 50 عضواً، ويشرف على العمليات المحلية.
كيف ولدت "ندرانجيتا" وبدأت نشاطها؟
تَمثَّل نشاط "ندرانجيتا" في بادئ الأمر بتنفيذ عمليات اختطاف لطلب الفدية، وقد أثار ذلك انتباه بقية العصابات والشبكات الإجرامية الريفية والسياسية التي دخلت في عمليات مشتركة مع "ندرانجيتا"، لتبلغ بذلك حصتها خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ما بين 60% و70% من أموال الفديات التي قُدّرَت بـ 470 مليون دولار (مبلغ هائل في ذلك الوقت).
وبدأ نجمها يسطع في عالم الجريمة الإيطالية منذ ذلك الحين، ليصنّفها القانون الإيطالي عام 2010 على أنها عصابة "مافيا". وبدأت الانتشار في المناطق الإيطالية كافة، وتمدّدَت أنشطتها لتصل إلى نحو 31 دولة أخرى.
وأكّد في هذا السياق أحد المسؤولين الإيطاليين في تصريح سابق، أن مافيا "ندرانجيتا" تكاد تكون المافيا الوحيدة الموجودة اليوم في جميع قارات العالم!
ويرى خبراء ومحللون أن هذه الشبكة الإجرامية بدأت تنمو في الدول التي ليس بها كثير من التشريعات المناهضة للمافيا، على غرار كندا وعدة بلدان أوروبية.
سجل حافل بالجرائم:
امتلكت "ندرانجيتا" سجلًا حافلًا بالجرائم في مختلف المجالات، إذ اخترقت أيضا قطاعي العقارات والأشغال العامة. وعلى سبيل المثال، تم توظيف الأرباح من عملية الاختطاف البشعة لـ "جون بول جيتي الثالث"، لإقامة حي سكني على ساحل كالابريا، عرف باسم "قرية جيتي".
وتم خطف "جيتي"، وهو سليل عائلة النفط الأميركية، في العاصمة روما في عام 1973. وظل قيد الأسر في جبال كالابريا النائية لمدة خمسة أشهر. وقد تم قطع أذنه اليمنى للضغط على عائلته لدفع مبلغ 7.1 مليار ليرة من أجل إطلاق سراحه.
وكان هناك كثير من حالات الاختطاف الأخرى التي كشفت عن وحشية ندرانجيتا. فانتشرت المخاوف من عمليات الخطف بصورة كبيرة بين النخب الإيطالية، وخاصة في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وهي فترة مضطربة شهدت خطف وقتل رئيس الوزراء السابق "ألدو مورو" في عام 1978، على أيدي الألوية الحمراء، وليس المافيا.
وتلاشت جرائم الاختطاف خلال تسعينيات القرن الماضي، ويعود ذلك جزئيا إلى قانون صدر في عام 1993، جعل من الأسهل بكثير على السلطات السيطرة على أصول أقارب الضحايا، مما يجعل من الصعب تلبية مطالب الحصول على فديات.
ويقول الخبراء إن الغضب الشعبي المتزايد ضد وحشية المافيا، بالإضافة إلى تطور عمل الشرطة وتغليظ العقوبات على الخاطفين، وفوق كل ذلك، إدراك أن تهريب المخدزات يتميز بربح أكبر، وخطورة أقل، قد ساهم في اختفاء هذه الظاهرة.
من أنشطة اختطاف متفرقة إلى شبكة إجرامية لم تدع نشاطًا غير مشروع يعتب عليها:
لم تكتف "ندرانجيتا"، بعمليات الاختطاف وطلب الفدية، بل تَطوَّر نشاطها اليوم ليشمل عددًا لا يحصى من الأنشطة "القذرة وغير القانونية"، بدايةً من غسل الأموال والاتجار في المخدزات والبشر والأسلحة، والابتزاز والتهريب. وغالباً ما تمر هذه الجرائم بلا رادع قانوني، ولا يزال القانون الدولي قاصراً عن وقف المافيا ووضع حد لها.
وهذه المافيا، التي أغرقت أوروبا بالمخدزات والأنشطة غير الشرعية، لم تعد مشكلةً بالنسبة لإيطاليا فحسب، بل باتت مصدر أرق وإرباك لأوروبا بأكملها، وتم الكشف عن تعاونها مع منظمات إرهابية في كافة دول العالم وانخراطها في تهريب الآثار من ليبيا وتصنيع المخدزات في سوريا لتباع إلى أوروبا.
في هذا الصدد يقول الصحفي والكاتب "روبرتو سافيلنو"، الذي تخصص في شؤون المافيا الإيطالية: "التنظيمات الإجرامية اليوم تؤثر بشكل كبير و مباشر على أوروبا، فاقتصاديات ألمانيا، إنجلترا و إسبانيا في المدة الأخيرة مثلا تشهد تسللا لعناصر المافيا فيها، و حكومات هذه الدولة ليس لها الشجاعة لإخبار مواطنيها بهذا الواقع... المافيا تقوم برهن مستقبل القارة الأوروبية".
ويبقى نشاط هذه العصابة في الولايات المتحدة الأمريكية محدودًا بسبب الرقابة الشديدة، وبسبب عدم رغبتها بمناطحة عصابات المكسيك فالأمر بالنسبة لها لا يدر عائدًا كبيرًا، خصوصًا أن أسعار بيع المخدزات في أمريكا تبقى أقل وبالتالي فالأرباح المجنية في أوروبا أفضل.
أرباح هائلة تتجاوز اقتصادات دول بأكملها:
وفقاً لتقارير أجرتها عدة مراكز بحثية إيطالية، فإن مافيا "ندرانجيتا" تجني ما يتراوح بين 330 و385 مليون دولار أسبوعياً. وتعادل إيراداتها السنوية نحو 61 مليار دولار بالمتوسط، وهو مبلغ ضخم يفوق الناتج المحلي الإجمالي لبلدان بأكملها (جزر القمر وجيبوتي واليمن وسوريا والصومال مجتمعين). ويأتي نصف هذه العائدات من تجارة المخدزات في أوروبا، التي تسيطر "ندرانجيتا" على أكثر من 80% منها.