الاحتيال بدعوى تشغيل الأموال يلقى رواجًا في سوريا ويسقط ضحيته العشرات يوميًا
تنتشر في الدول التي يتردى فيه دخل الناس وتضعف قدراتهم الشرائية نتيجة تدني الأجور أنماط فريدة من الاحتيال، فالمحتال هنا يعرف أن قسمًا من الناس يمتلك بعض المدخرات أو السيولة لكنهم لا يجرؤون على تشغيلها لأن الاقتصاد في حالة كساد وغالبية الأعمال والتجارات يكون مصيرها الخسارة.
ومع بزوغ هذه النزعة في عقول الناس التي تقول: "يا ليتني أجد عملًا مربحًا أو تجارة جيدة لأغير من وضعي"، يظهر المحتال كالمنقذ حينما يقدم للضحية فرصة لـ "تشغيل الأموال" مع عائد ممتاز ومخاطر قليلة (هذا ما يبان عليه الأمر بالنسبة للضحية).
هؤلاء الأشخاص المحتالون، بعضهم يعمل في العقارات أو في بيع الألبسة وما إلى ذلك؛ ويشتركون جميعًا على نمط معين في عملية الاحتيال:
- إذا قدم الشخص مبلغًا كبيرًا دفعة واحدة يختفون من المنطقة أو يسافرون خارج المدينة حتى يستحيل العثور عليهم.
- إذا قدم الشخص مبلغًا قليلًا يوهمونه ببعض الأرباح حتى يدفع المزيد و "تصبح الصيدة محرزة".
- إذا كان لدى الشخص معارف وأصدقاء كثر أو كان تاجرًا يصبرون عليه ويستمرون بإعطائه الأرباح وإيهامه بسير الأمور على أفضل ما يرام حتى يجلب لهم المزيد من الضحايا.
تشغيل للأموال أم حرق للمدخرات؟
تروي إحدى السيدات من منطقة التضامن بدمشق لصحيفة "الوطن" تعرضها لعملية احتيال على هذا النمط، وتقول" "لقد تعرّضت لعملية نصب من صديقتي التي وضعت معها مبلغ أربعة ملايين ليرة منذ نحو عام لكونها تعمل في بيع الأجهزة الكهربائية وملابس (البالة)، لأفاجأ في شهر كانون الأول من العام الماضي بأنها تركت منزلها من دون أن يعرف أحد من عائلتها إلى أين ذهبت".
وتشير السيدة إلى أنها رفعت دعوى على صديقتها المحتالة بالاشتراك مع عدة أشخاص آخرين تعرضوا لعملية النصب ذاتها، لتتم متابعة الأمر لدى الأمن الجنائي.
ولم تقتصر عملية النصب على الأشخاص الذين أودعوا مبالغ قليلة فقط، وإنما طالت المقتدرين مادياً أيضاً، إذ أشارت طبيبة أسنان – فضّلت عدم ذكر اسمها- أيضاً إلى أنها أودعت مبلغ 75 مليون ليرة لدى السيدة ذاتها منذ بداية عام 2021، على أن تدفع لها فائدة شهرية قدرها 3.75 ملايين ليرة لكونها اتفقت معها أن تكون نسبة الفائدة 5 بالمئة من المبلغ الذي أعطته إياها.
وحول دوافعها لإيداع أموال في مشاريع كهذه رغم أنها تعمل كطبيبة، اعتبرت أن ذلك يعد أفضل لها من شراء ذهب مثلاً أو الاحتفاظ بالنقود التي تفقد قيمتها عاماً بعد عام.
من وجهة نظر القانون... هل يحق لأحد أن يمتهن "تشغيل الأموال"؟
عند سؤاله عن مدى قانونية وجود أشخاص أو حتى شركات يجمعون أموالاً بقصد تشغيلها، بيّن مدير مديرية الشركات في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك "زين صافي"، أنه لا يوجد نهائياً في القانون ترخيص لمثل هذه الشركات.
واستدرك "صافي" موضحًا: "لكن منذ عدة سنوات كانت بعض الشركات المرخصة تعمل بجمع الأموال بشكل مخالف قانوناً للغاية التجارية المرخصة من أجلها".
وأشار إلى أنه عندما ترد شكوى للجهات المعنية حول وجود مثل هذه الشركات تتخذ المديرية إجراء إما بتوقيف السجل التجاري للشركة أو شطبها وذلك حسب الإجراء المتخذ لكل حالة.
وفي السيّاق ذاته، أوضح "صافي" أنه لا يمكن الترخيص لمثل هذه الشركات، لأن ذلك يعني تشريعها وهذا يحتاج إلى الكثير من الدراسات مع عدة جهات منها المصرف لمنع تحريك الأموال إلا ضمن غاية الشركة، لأن ذلك يعتبر تشريعاً لأعمال من الممكن أن تستخدم في النصب.
أما الخبير الاقتصادي الدكتور "علي محمد"، فقد أشار إلى أن سوريا تفتقر لوجود الشركات المساهمة، فمثلاً في مصر يوجد نحو 80 ألف شركة مساهمة وفق آخر إحصائية، في حين يوجد نحو 52 شركة مساهمة في سورية وفق إحصائية تم القيام بها منذ نحو عامين.
ولفت إلى أن التشريع الأفضل والموجود في قانون الشركات رقم 29 لعام 2011 هو إنشاء شركات مساهمة وإدراج أسهمها في سوق دمشق للأوراق المالية، ليشتري الأشخاص أسهماً ويصبحون مالكين في إحدى الشركات التي يجب أن تكون قائمة بذاتها ومرخصة أصولاً وتمتلك سجلاً تجارياً ويكون نشاطها معروفاً وتزاول مهنتها.
وأردف أن التشريع لأشخاص للعمل بتشغيل الأموال يعني الدخول بمتاهات كبيرة، بضمانات مستحيلة، على عكس الاكتتاب ضمن شركة لها قيمة سوقية ولديها عقارات وأصول، وعندما تنخفض أرباحها إلى حد الإفلاس يتم إجراء تصفية بموجب قانون الشركات.
في السياق ذاته، رأى "محمد" أن ما يدفع بعض الأشخاص للمخاطرة بأموالهم هو البيئة الاقتصادية الموجودة التي تعد معدلات الفقر والبطالة فيها مرتفعة وادّخار الأموال صعبًا جداً.