بريطانيا تروج لتربية الحشرات الصالحة للأكل وتبدأ تجربتها في دول أفريقية

تدرس الدول الأوروبية منذ فترة من الزمن الحشرات كوسيلة تغذية غير تقليدية وفعالة من وجهة نظر اقتصادية، مستفيدةً من تجربة بعض الدول الأسيوية كالصين التي تساهم الحشرات فيها بتوفير الطعام لمئات الملايين من الناس.

على رأس الدول القائمة على هذه الفكرة تأتي بريطانيا، حيث بدأت بتجربة التطبيق في أفريقيا تحت مسمى "المساعدات والإغاثة"، وعلى حسب النتائج قد يتم دراسة اعتماد وترويج الحشرات كنوع من الغذاء في المملكة المتحدة.

في التفاصيل، فقد أعلنت بريطانيا توجيه "حصة من مساعداتها" إلى الإنفاق على برامج تحث الأفارقة المنكوبين بنقص الغذاء على أكل الحشرات، ويتضمن ذلك مشروعين لمساندة هذا التوجه في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي.

يحصل المشروعان على تمويلهما من "هيئة الأبحاث والابتكار البريطانية" (UKRI)، وهي هيئة تابعة لإدارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية بالحكومة البريطانية، وفق تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 2 سبتمبر/أيلول 2022.

مصدر فعال للبروتين!

قال التقرير البريطاني إن الخبراء لطالما نظروا إلى "الحشرات الصالحة للأكل" على أنها مصدر فعال للبروتين، ولا تحتاج إلا إلى مساحة صغيرة من الأراضي وكميات قليلة من المياه، خاصة إذا قيست إلى احتياجات الماشية.

ومع ذلك – يستدرك التقرير -  فإن انصراف الأذواق عنها ونفور بعض الثقافات منها كانا عقبة أمام المساعي الرامية إلى ترويج هذه الممارسة في أنحاء كثيرة من العالم.

في هذا السياق، عمدت "الوكالة الكاثوليكية للتنمية الخارجية" Cafod، وهي مؤسسة خيرية في إنجلترا وويلز، إلى تخصيص مبلغ 50 ألف جنيه إسترليني (نحو 58 ألف دولار أمريكي) لتربية اليُسروع الإفريقي والجراد المهاجر وذباب الجندي الأسود، وحثِّ الناس على تناوله، في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

كذلك ومن المقرر أن يكون المشروع في مقاطعتي كيفو الشمالية وكيفو الجنوبية بجمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد كانت تربية الماشية من السبل القليلة المتاحة لكسب العيش بين سكان تلك المناطق، إلا أن زيادة عدد السكان فيها أدَّت إلى قلة الأراضي المتاحة لتربية الحيوانات، ونقصان إمدادات المياه بسبب استهلاكها الكثيف في تربية البقر.

دول ومناطق أفريقية تتقبل استهلاك الحشرات:

من الشائع في مقاطعة كيفو الجنوبية استهلاك 23 نوعاً من الحشرات، وإن كان الكونغوليون لا يحبذون تربيتها عادةً، بل يجمعونها كلما تيسر لهم ذلك في مواسمها.

وتشمل الحشرات الصالحة للأكل في تلك المنطقة: سوسة النخيل الإفريقية، وخنفساء القمامة، والنمل الأبيض، والصراصير. وتأمل المؤسسة الخيرية البريطانية أن تنجح في حث الكونغوليين على تربية الحشرات بطريقة صناعية.

في غضون ذلك، يجري في زيمبابوي مشروع آخر يسعى القائمون عليه إلى استخدام ديدان الموبان في العصيدة التي تقدم للأطفال بالمدارس. وقد خصَّص المسؤولون 300 ألف جنيه إسترليني (نحو 346 ألف دولار أمريكي) من ميزانية المساعدة لإدخال عصيدة الحشرات ضمن الطعام المقدم للأطفال الفقراء الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و11 عاماً، في بلدة غواندا جنوبي البلاد، وفي العاصمة هراري.

ويقول المسؤولون عن المشروع إن عصيدة الحشرات لها فوائد كثيرة؛ لكونها غنية بالفيتامينات والمعادن المهمة، مثل الفوسفور والبوتاسيوم والحديد والنحاس والزنك والمنغنيز والصوديوم، وفيتامينات بي 1 وبي 2 وبي 3 (النياسين).

من جانبه قال رئيس المشروع، الدكتور "ألبرتو فيوري"، بروفيسور مادة كيمياء الأغذية وتكنولوجياتها في جامعة أبِرتاي دندي البريطانية، إن الناس في زيمبابوي يعتمدون على الذرة، إلا أنها لا تحتوي إلا على نسبة منخفضة من البروتين والمعادن الأساسية والأحماض الأمينية والأحماض الدهنية.

في حين زعم "فيوري" أنه وفريقه ابتكروا مزيجاً يجمع بين ديدان الموبان المزروعة محلياً والحبوب والفاكهة المتوافرة، من دون الحاجة إلى استيراد. ومع أنه لم يُرد الكشف عن وصفته إلا بعد أن تنشر بيانات الدراسة، فإنه قال إن عصيدة الحشرات تحتوي على أنواع مختلفة من الحبوب، منها الذرة الرفيعة والدخن.

مع ذلك، فإن تحضير الوجبة القائمة على الحشرات ليس إلا المرحلة الأولى من المشروع، وما زالت هناك حاجة إلى إجراء تجربة عشوائية لمعرفة تأثير تلك الوجبات في الأداء الدراسي للأطفال، وتداعياتها على أوزانهم وسلامتهم الصحية.

في النهاية، فإن البعض ينظر للترويج إلى استهلاك الحشرات، على أنه "تعبير صارخ عن توحش الرأسمالية"، التي تسعى لإسكات وإشباع الشعوب الفقيرة والنامية بأطعمة من الدرجة الثانية والثالثة، وتوفير الموارد من الدرجة الأولى لمن يستحقها بنظرهم. ويعتقد أنصار هذا الرأي أن النظر للموضوع من وجهة نظر الجدوى الاقتصادية فحسب هو طريقة "مهينة وخاطئة" لتقييم القضية.

أما أنصار استهلاك الحشرات القابلة للأكل، فيرون أن الأمر لا يستحق كل هذا التعنت والنفور، ويؤكدون أنها جيدة للبيئة على عكس الأبقار والمواشي التي تساهم بشكل كبير في انبعاث الغازات الدفيئة. مستشهدين أن تناول بعض أنواع الحشرات أمر مقبول لدى مختلف المجتمعات والأديان، لكنه لم يعد يلقى رواجًا بسبب تغير أذواق الناس وتحسن مستوياتهم المعيشية.