هل يشكّل هبوط اليورو فرصة مثالية لشرائه من القاع وجني الأرباح عند الصعود؟

لفتت عملة القارة العجوز الأنظار إليها في الآونة الأخيرة، وأصبحت موضع جدل بعد الهبوط التاريخي الذي تعرضت له حين انخفض سعر صرف اليورو إلى مستوى التعادل مع الدولار الأمريكي، وذلك للمرة الأولى منذ 20 عاما.

وحط اليورو رحاله الأسبوع الماضي مرةً أخرى عند أدنى مستوياته خلال عقدين، حيث هبط 0.4 بالمائة، ليتراجع دون واحد دولار، بعد أن أعلنت روسيا عن توقف لمدة 3 أيام لإمدادات الغاز الأوروبية عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 في نهاية أغسطس/ آب ما أدى إلى تفاقم أزمة الطاقة في المنطقة.

هل هي فرصة سانحة لشراء اليورو من القاع؟

مع هذه الظروف الاستثنائية ارتأى بعض الناس إلى أنه حان الوقت لشراء اليورو من القاع، معتبرين أن العملة الأوروبية ستحافظ على صمودها وتعود إلى الارتفاع حتى لو مرت بفترات انتكاس، فالأرباح المجزية في عالم التداول والعملات تحدث عند شراء الأصل المالي من أدنى سعر وبيعه في أعلى سعر ممكن.

وقد استشهد أنصار هذا الرأي بتصريحات خبراء بنك "غولدمان ساكس" الذي توقع أن يرفع المركزي الأوروبي معدلات الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماعه الأسبوع القادم، بعد أن سجل التضخم في منطقة اليورو مستويات قياسية جديدة.

في الاتجاه المقابل، يرى الخبراء أن التسرع في شراء اليورو قبل فهم أسباب هبوطه وإدراك طبيعة الأزمة التي وقعت بها القارة الأوروبية سيكون ضربًا من التهور والجنون.

لماذا انهار اليورو إلى مستوى التعادل مع الدولار؟

يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور "عماد المصبح" أن انخفاض سعر صرف اليورو مقابل الدولار يعود إلى عدة عوامل أهمها رفع معدلات الفائدة بشكل متوالي في الولايات المتحدة، والنتائج التي تمخضت عن حرب أوكرانيا، إلى جانب الجفاف غير المسبوق الذي ضرب أوروبا خلال هذا الصيف ما أثر بعمق في سلاسل الإمداد والإنتاج الزراعي.

ويشير الدكتور، في حديثه لوكالة إعلام عربية شهيرة إلى أن "رفع الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية أدى إلى خروج كميات دولارية كبيرة للاستفادة من هذه الزيادة من قبل المستثمرين من مختلف الجنسيات".

ويضيف الخبير الاقتصادي: "كما أدت أزمة أوكرانيا إلى زيادة تكاليف الواردات الأوربية ولاسيما فاتورة الطاقة، التي تدفعها لروسيا نفسها ولدول أخرى، ويتبع ذلك بطبيعة الحال ارتفاع فاتورة السلع الغذائية وغيرها".

هل سيعود اليورو إلى أيام مجده؟

يرى "المصبح" أنه "من غير المتوقع خلال الأشهر القليلة المقبلة أن يعود سعر صرف اليورو إلى مستوياته القديمة مع استمرار الحرب ومع استمرار الفيدرالي الأميركي برفع معدلات الفائدة."

ويضيف: "للأسف من المتعذر في الوقت الراهن أن يقابل البنك المركزي الأوربي الفيدرالي الأميركي بتغييرات في نسب الفائدة، بسبب صعوبة اتخاذ القرار المتعلق بهذا الجانب في ظل اقتصادات ذات مصالح متناقضة".

بدوره، يوضح محلل الأسواق العالمية "رائد الخضر"، أن اليورو لا يزال في الاتجاه الهابط، حيث يئن تحت ضغط هائل تسببت به عوامل عدة، فمن ناحية تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي خلفت أزمات خطيرة سياسية واجتماعية واقتصادية، ومن جهة أخرى أزمة الطاقة وإمداداتها التي كان من شأنها إشعال فتيل التضخم وإبطاء وتيرة النمو.

وكل ذلك دفع باليورو إلى مسار هابط فاقداً مستويات التكافؤ أمام الدولار الأميركي، لتصبح العملة الأوروبية في ظروف عصيبة قل مثيلها عبر التاريخ.

اجتماع المركزي الأوروبي في سبتمبر/ أيلول:

يشير "الخضر" إلى أن الأنظار الآن تتجه نحو البنك المركزي الأوروبي واجتماعه المقبل في الثامن من سبتمبر/ أيلول، والذي من المتوقع أن يشهد رفعاً لمعدلات الفائدة بما يوصلها إلى مستويات 0.75 بالمئة.

وتنقسم التوقعات حول النتيجة المحتملة من البنك المركزي الأوروبي فيما ستكون بنبرة تشددية أو تستمر في النهج الميسر خصوصاً مع تضخم يسجل أعلى مستوى له في 40 عاماً.

والأمر الواضح كوضوح الشمس حاليًا أن أزمة الطاقة والمخاوف من الركود هي الأسباب الرئيسة لانهيار اليورو، وما يزيد الضغط عليه هو القوة المفرطة للدولار الأميركي التي اكتسبها في فترة قصيرة نسبياً بدعم من أساليب التشديد النقدي التي يتم اتباعها من قبل الفيدرالي الأميركي.

اجتماع هذه العوامل من شأنه أن يبقي اليورو دون مستويات التكافؤ لفترة أطول من الزمن مع استمرار حالة عدم اليقين تجاه الركود والتوترات الجيوسياسية وتأثيراتها على النمو العالمي ناهيك عن أن منطقة اليورو التي هي قلب الصراع، وفقاً لـ "الخضر".

ويضيف محلل الأسواق العالمية: "سجلت أسعار الغاز في أوروبا رقما قياسياً جديداً الأسبوع الماضي حيث وصلت إلى 343 يورو لكل ميغا/واط/ ساعة يوم الجمعة الماضي، وهو ما يزيد بأكثر من 30 مرة على الأسعار قبل عامين، وبالتالي فإن استقرار الطاقة أمر لازم لتحقيق استقرار اليورو في الوقت الحالي".