العالم يتوجه للنووي مجددًا بعدما باتت روسيا تحرق الغاز عمدًا لإزعاج الأوروبيين

يرى الغرب بكل وضوح أن الموقف الروسي تجاههم بات موقفًا انتقاميًا ومتبجحًا، حيث أكدت وسائل إعلام بريطانية أن روسيا تحرق متعمدةً كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في مصنع قرب الحدود الروسية الفنلندية.

ووفق هذه المصادر فإن قيمة الغاز الروسي المحروق تبلغ نحو 10 ملايين دولار أميركي كل يوم.

وفي نفس السياق، يشير تحليل أجرته شركة "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy) إلى أن نحو 4 ملايين و340 ألف متر مكعب من الغاز يتم حرقها كل يوم.

ونقلت مواقع إخبارية عالمية، عن السفير الألماني في بريطانيا قوله إن روسيا تحرق الغاز لأنها لا تستطيع بيعه في مكان آخر. بينما اعتبر البعض أن ما يحصل هو استفزاز للمعسكر الأوروبي الذي رفض الدفع بالروبل ورسالة مفادها التأكيد على الموقف المتعنت وعلى عدم الرضوخ ولو اضطرت روسيا لحرق غازها.

من جانبها قالت شركة غازبروم الروسية إن الغاز الطبيعي يملأ 92% من خزاناتها.

وأعلنت روسيا استعدادها لتوريد الغاز لأوروبا وفقا للعقود بين الطرفين. وقال "ديمتري مدفيديف"، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إن أزمة الطاقة الحالية في أوروبا هي نتاج لما وصفها بحرب العقوبات التي أطلقها الغرب.

وأضاف "مدفيديف" أن روسيا لم ترفض توريد الغاز لكن الأوروبيين حظروا الدفع بالروبل ورفضوا توريد التوربينات التي تم إصلاحها.

المعسكر الغربي وأتباعه يقبلون بالنووي بعدما كان خارج الحسابات:

بعد 11 عاما على كارثة فوكوشيما التي حصلت بسبب زلزال اليابان وأدت لتراجع الاعتماد على النووي، عادت هذه الطاقة إلى الواجهة ولم يعد الصناعيون والسياسيون المؤيدون للطاقة النووية يخفون تفاؤلهم. إذ يحظى المجال باهتمام متجدد في العديد من الدول من اليابان وصولًا إلى ألمانيا.

وفي بادرة تحمل رمزية كبرى، تعتزم اليابان نفسها إطلاق ورشة بناء محطات جديدة. علمًا أن اليابان هي أكثر من ذاق ويلات الطاقة النووية وعاش الرعب الناتج عن إمكانية فقدان السيطرة عليها.

وهكذا فقد أعلنت طوكيو أنها تدرس الانطلاق مستقبلا في تشغيل "مفاعلات من الجيل الجديد مجهزة بآليات سلامة جديدة"، حرصا على ضمان الحياد الكربوني، ولمواجهة الارتفاع الحاد في أسعار الكهرباء والغاز منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية، بحسب وكالة "فرنس برس".

وبات هذا المشروع ممكنا في ظل الظروف الحالية المواتية، في وقت يبدي الرأي العام مخاوف من أزمة طاقة وقلقا حيال الاعتماد على واردات الغاز والنفط والفحم.

الدول تبدل موقفها:

في ظل التوقعات بالاعتماد بشكل متزايد على الكهرباء في المواصلات والصناعة والبناء وغيرها، أعلنت عدة دول السعي لتطوير منشآتها النووية، وفي طليعتها الصين التي تملك حاليا أكبر عدد من المفاعلات، وكذلك بولندا والتشيك والهند التي تعتزم الحد من اعتمادها على الفحم.

وأفصحت فرنسا وبريطانيا وحتى هولندا عن طموحاتها بهذا الصدد، وفي الولايات المتحدة تشجع خطة الرئيس "جو بايدن" الاستثمارية هذا القطاع.

كما بدلت دول أخرى موقفها بعدما سلكت طريق التخلي عن الطاقة النووية، ومنها بلجيكا التي تعتزم تمديد العمل بمفاعلين لمدة عشر سنوات.

وفي ألمانيا التي كان من المفترض أن تغلق آخر ثلاث محطات متبقية بحلول نهاية 2022، فوجئ الجميع حين أعلن وزير المناخ "روبرت هابيك"، وهو من دعاة حماية البيئة، أنه قد يكون "من المناسب" تأجيل الإغلاق في ظل الحرب في أوكرانيا.

وتنتظر برلين تلقي دراسات جديدة حول نظامها الكهربائي على ضوء حاجات فصل الشتاء لتحسم قرارها.

غير أن "غيرالد نويباور"، خبير الطاقة في فرع ألمانيا لمنظمة غرينبيس، رأى أن "تمديد النووي لا يشكل حلا لأزمة الطاقة"، مؤكدا أن هذا المصدر للطاقة له فاعلية محدودة للتعويض عن الغاز الروسي.

وأكد أن "الغاز يستخدم بصورة خاصة للتدفئة وليس للكهرباء".

ولا تزال بعض الدول مثل نيوزيلندا تعارض استخدام الطاقة النووية، وظهر هذا الاختلاف في الموقف في بروكسل خلال النقاش حول إدراج النووي في قائمة الأنشطة "الخضراء".

ومن المشكلات المطروحة أيضا مسألة القدرة على بناء مفاعلات جديدة تكون كلفتها ومهل إنجازها تحت السيطرة.