العقار السوري يخسر جاذبيته للمغتربين والسوق في حالة ركود مع أسعار باهظة
انتعشت تجارة العقار في سوريا جزئيًا مع بداية موسم الصيف وقدوم المغتربين للزيارة، لكن هذا الانتعاش لم يدم طويلًا حتى أفضى إلى ركود، بسبب تضخم الأسعار المبالغ به، الذي لا يتوافق مع جدوى وعائد الاستثمار العقاري في البلد.
ويجمع أغلب أصحاب المكاتب العقارية حاليًا على أن تجارة المنازل والعقارات راكدة وما عادت مربحة كما السابق.
الحكومة تطلق رصاصة الرحمة على أسواق العقارات:
في حديثه مع صحيفة "الوطن" المحلية، قال أحد أصحاب المكاتب العقارية في جرمانا، إن الإجراءات التي تم اتخاذها بالنسبة لعمليات البيع والشراء (قانون البيوع العقارية) أثرت على سوق العقارات بشكل كبير.
وتركزت هذه التأثيرات السلبية بشروط التحويلات المالية والبنكية والموافقات الأمنية واللجان التي تم تشكيلها لحساب السعر الرائج للمنازل في كل منطقة، والتي ظلمت أبنية على حساب أخرى فيما يخص موضوع الضرائب. مشيرًا إلى أن عمليات البيع حالياً اضطرارية أكثر من أن تكون بغرض التجارة.
وأكد أن السوق تأثر بسبب عزوف بعض المغتربين عن الشراء نهائياً، إذ يقوم بمقارنة الأسعار ببلاد الاغتراب فيجد أن السعر ذاته ويفضل الشراء في الخارج.
من جهته، أوضح الخبير الهندسي الدكتور "محمد الجلالي"، أن تجارة المنازل اليوم تعاني من حالة ركود وذلك بسبب انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية وتغيرها بشكل دائم.
وأضاف: "من يلجأ اليوم إلى بيع منزله للتجارة فيه واستئجار منزل آخر للسكن فهو يقوم بذلك لأن أسعار العقارات تعتبر مرتفعة مقارنة بالدخل، لذلك يبقى الإيجار مقارنة بالتملك أقل كلفة استثمارية، وبالتالي من الممكن أن يحقق الشخص قيمة مضافة من خلال بيع وشراء المنازل".
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار العقارات أمر طبيعي وخاصة أمام التضخم الجامح وغير الواضح الذي تعيشه البلاد، معتبراً أن ارتفاع أسعارها أقل من الارتفاع في معدلات التضخم، وإذا تم مقارنة أسعارها بمؤشر أسعار المستهلكين؛ أي ارتفاع المستوى العام للأسعار مقارنة بما قبل الأزمة، نرى أن أسعار العقارات انخفضت، والمشكلة تكمن في تراجع الدخل.
أسعار العقارات والبناء:
إلى جانب ما تم ذكره أعلاه، لدينا قضية الارتفاع الكبير لمواد الإكساء والبناء، حيث وصلت تكاليف الإكساء الجيّد للمتر مربع الواحد إلى 600 ألف ليرة.
وأكد صاحب المكتب العقاري، أن أسعار العقارات منذ بداية العام الحالي وحتى اليوم لم ترتفع أكثر من 5 بالمئة، لافتاً إلى أنه في عامي 2020 و2021 أي بعد تفشي وباء فيروس كورونا ارتفعت الأسعار إلى نحو 50 بالمئة، وكانت تجارة العقارات مزدهرة في السابق، ولكن – وإضافة إلى صدور قانون البيوع – تسبّب دخول الكثير من الأشخاص إلى هذا السوق وقيامهم بطلب أسعار وأرباح خيالية تأثر هذا السوق سلباً.
وحول متوسط الأسعار، كشف صاحب المكتب أن سعر أي منزل بأسوأ منطقة في جرمانا يتجاوز الـ 100 مليون ليرة، أما المناطق الجيدة فيتراوح سعر المنزل فيها بين 300 – 600 مليون ليرة، وينخفض السعر إلى نحو 60 مليون ليرة في المناطق المحررة بالغوطة.
وفي هذا السياق، بيّن "الجلالي" أن أسعار العقارات اليوم في حالة ركود وتكاد تكون أقل من التكاليف لعدم وجود طلب ودخل جيّد على الرغم من وفرة العرض في السوق.
ويضيف: "إذا قسنا ارتفاع الأسعار وفق تغيرات أجور التكسي على سبيل المثال، تبلغ اليوم أجرة التكسي من منطقة التضامن إلى وسط العاصمة 10 آلاف ليرة، في حين كانت قبل الأزمة 25 ليرة، أما المنزل في نفس المنطقة الذي يبلغ سعره 50 مليون ليرة فكان سعره قبل الأزمة مليون ليرة، أي إن المنازل ارتفع سعرها 50 مرة فقط في حين التكاسي ارتفع سعرها 400 مرة".
وأشار إلى أن سعر المتر في العاصمة يصل إلى 20 مليون ليرة، أي إن سعر الشقة التي تبلغ مساحتها 100 متر في منطقة كفرسوسة يتراوح بين 2-3 مليارات ليرة، معتبرًا أن هذا ليس رقماً كبيراً، أما سعر ذات الشقة في ضاحية قدسيا فيصل إلى 500 مليون ليرة أي إن سعر المتر الواحد يبلغ 5 ملايين ليرة.
هل تجارة العقارات مربحة في سوريا؟
في هذا الصدد يقول "الجلالي" موضحًا "نحن لا نستطيع تحديد فيما إذا كانت تجارة المنازل تربح بالفعل أم لا، لأن علم الاقتصاد يفرّق بين الربح المالي (المحاسبي) الذي يساوي الإيرادات مطروحاً منها المصاريف، والربح الاقتصادي الذي يساوي الإيرادات مطروحاً منها المصاريف مطروح منها أيضاً تكلفة الفرصة البديلة (العائد الذي كانت ستحققه هذه الأموال لو تم استثمارها في مكان آخر)، أي إن هذه المشاريع قد تكون رابحة مالياً ولكن مقارنة ببدائل أخرى فهي لم تحقق ربحاً اقتصادياً وهو الربح الأهم بالنسبة للاقتصاد".