أهمها الجنيه المصري... 36 عملة تشهد تدهورًا تاريخيًا أمام قوة الدولار

أظهرت بيانات حديثة أن خسائر الدول النامية من احتياطياتها النقدية الأجنبية بلغت حوالي 379 مليار دولار، وهي مبالغ صُرفت للحفاظ على عملاتها الوطنية في مواجهة قوة الدولار، الذي تسبب صعوده المستمر منذ بداية العام الجاري في حدوث فجوة في الموارد المالية لهذه الدول.

وتأسيسًا على ذلك، فقد خسرت 36 عملة حول العالم ما لا يقل عن عُشر قيمتها، بينما انخفضت 10 منها، بما فيها الجنيه المصري والروبية السريلانكية والبيزو الأرجنتيني، بأكثر من 20%، وفق تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.

فقد تراجعت قيمة عملات العديد من الدول، من غانا إلى باكستان وصولًا لـ تشيلي، إلى مستويات قياسية منخفضة، مما فاقم ارتفاع معدلات التضخم والفقر والاضطرابات التي كانت متأججة بالفعل بعد عامين من المصاعب الاقتصادية الناتجة عن تفشي وباء كورونا.

ملياري دولار تُصرف يوميًا لحماية عملات الدول النامية من الانهيار:

تشير البيانات إلى أن صُنّاع السياسات في الدول النامية يقومون باستخدام ما يعادل ملياري دولار تقريباً من الاحتياطيات الأجنبية يومياً تقريباً في محاولة لدعم عملاتهم مقابل الدولار.

وبالإجمال، فقد استنزفت تلك الدول ما قيمته 379 مليار دولار من احتياطياتها، وهو مخزون الطوارئ المُحتفظ به لدرء الأزمات الاقتصادية الحادة، خلال العام الجاري.

ومع ذلك، لم تسهم هذه الجهود سوى بالقليل في عملية استقرار أسواق الصرف الأجنبي في الدول الأكثر ضعفاً، مما يوضح مدى قوة العوامل التي تدفع الدولار للارتفاع ومدى خطورة الوضع الحالي.

كل هذا يشبه إلى حد ما أزمات الأسواق الناشئة الكبرى في نصف القرن الماضي، مثل أزمة ديون أميركا اللاتينية في الثمانينيات وموجة خفض قيمة العملات التي تفشت في آسيا بعد عقد.

ورغم أن معظم المحللين الماليين لا يرجحون حالياً حدوث مثل هذا النوع من الانهيارات الكبيرة، إلا أنهم يشيرون، في الوقت نفسه، إلى أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وهو المحرك الرئيسي لارتفاع قيمة الدولار، لديه مهام كثيرة ينبغي إتمامها لكبح التضخم.

وكلما ارتفعت أسعار الفائدة الأميركية لتحقيق هذا الهدف، زادت مخاطر غرق المزيد من الدول النامية في أزمة عملة شاملة قد تؤجج بدورها أزمة ديون.

نتيجة لذلك، تقول "جيسيكا أمير"، الخبيرة الاستراتيجية في مؤسسة "ساكسو كابيتال ماركتس" في سيدني: "بلا شك، يمكن أن نشهد أزمة حقيقية في الأسواق الناشئة، فهي وصلت بالفعل إلى نقطة الانهيار، كما يشكل الدولار القوي ذروة جميع أوجه عدم اليقين، خاصة بالنسبة للأسواق الناشئة الضعيفة".

أوروبا تتجرع نفس الكأس مع الدول النامية:

عادة ما تنجو أوروبا من الأزمات الاقتصادية التي تضرب الدول الفقيرة والنامية، أو تتأثر بها بصورة أقل، لكنها هذه المرة تتجرع من الكأس نفسه.

فرغم الأضرار الكبيرة التي تعرضت لها الأسواق الناشئة، إلا أنها ليست الوحيدة التي تعاني في مواجهة الدولار القوي، ويمكنك معرفة ذلك من الأوروبيين واليابانيين. فقد انخفض اليورو إلى مستوى التعادل مع الدولار للمرة الأولى منذ 20 عاماً الشهر الماضي، بينما انخفض الين إلى أدنى مستوياته منذ عام 1998.

ولكن في حين تدل هذه الشرائح على معاناة حقيقية للشركات والمستهلكين الذين يدفعون المزيد مقابل البضائع القادمة من الخارج، فإن الدول النامية التي تعتمد على الدولار في التمويلات الحكومية تواجه تهديداً وجودياً تقريباً.

وبالرغم من أن الاحتياطيات المستنفدة هذا العام لا تتجاوز 6% من الحيازات، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي عن 65 دولة نامية، إلا أن المستثمرين يعانون من انعدام اليقين.

فقد شهدت مصر وتركيا وغانا وباكستان وبلغاريا بعضاً من أكبر الانخفاضات في الاحتياطيات، كما أن بعض هذه الدول تشهد أسوأ عمليات بيع للعملات.

مصر من أكثر الدول تضررًا في الشرق الأوسط:

بين اقتصادات الدول النامية في الشرق الأوسط (بغض النظر عن الاقتصادات المنهارة في سوريا ولبنان)، تعيش مصر دونًا عن غيرها أيامًا عصيبة بشكل استثنائي، فقد غادر محافظ البنك المركزي المصري "طارق عامر أسوار" إحدى أهم المؤسسات السيادية التي أعادت رسم السياسة النقدية في مصر، ثالث أكبر اقتصاد عربي.

وقد واجه "عامر أسوار"، الذي شغل منصب المحافظ منذ عام 2015، وعُيّن لولاية ثانية بعد أربع سنوات؛ ضغوطا مؤخرا، بعد أن سحب المستثمرون الأجانب قرابة 20 مليار دولار من أسواق الديون المحلية (الأموال الساخنة).

كذلك، واجه المحافظ المستقيل أزمة إمدادات الغذاء لأكثر من 100 مليون مصري، وسط ارتفاع أسعار السلع عالميا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع كلفة الواردات بـ 90 بالمئة هذا العام، إلى متوسط شهري 9.5 مليارات دولار.

النقد الأجنبي المتناقص في مصر كان أيضاً إحدى المعضلات التي واجهت عامر، والتي دفعت المركزي إلى إجراءات لمحاولة الحفاظ على السيولة الأجنبية داخل الأسواق المحلية، إلا أنها واصلت تخارجها بسبب ارتفاع المخاطر العالمية.

علاوةً على ذلك فقد كانت مصر ضحية للحرب الروسية الأوكرانية هذا العام، وقبل ذلك، ضحية لسياسات اشترك في وضعها البنك المركزي والحكومة، بعد أن وجدا من أدوات الدين مصدراً لتوفير النقد الأجنبي.

وتأتي الاستقالة في وقت تخوض مصر مباحثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض مالي لم تعلن قيمته الحقيقية، لكن بنوك استثمار أميركية قدرته بـ 15 مليار دولار.

ويطالب الصندوق بإصلاحات كبيرة قد تؤثر على استقرار المجتمع المحلي، لأنها تطاول الدعم، وقد تمتد -وفق مراقبين- إلى تعويم ثان للعملة المحلية (الجنيه).

يذكر أنه قبل الحرب الروسية الأوكرانية، كان سعر الدولار 15.6 جنيها، مقابل 8.88 جنيهات قبل التعويم، واليوم يبلغ سعر الصرف 19.1 جنيها لكل دولار.