مودعو مصارف لبنان ينفد صبرهم... حادثة اقتحام مسلح لاسترداد وديعة منسية
تفاقمت أزمة المصارف في لبنان حتى كادت الأمور تخرج عن السيطرة، بعد أن قام المودع اللبناني "بسام الشيخ حسين" باحتجاز موظفين داخل "فدرال بنك" في بيروت بقوة السلاح، وذلك بهدف استرداد وديعته العالقة منذ خريف عام 2019.
وشكلت الحادثة - مع كونها عملًا فرديًا – ورقة ضغط جديدة تمثل صوت عشرات آلاف المودعين الذين يطالبون باسترداد أموالهم، في حين تخشى الأوساط المصرفية من تصاعد العنف ضدها.
وجاءت الحادثة بعد تعليق الإضراب التحذيري الذي دعت إليه جمعية المصارف ضد ما سمته "الدعاوى الكيدية" بحق المصارف.
ماذا حصل مع بسام بعد اقتحام المصرف؟
حظي "بسام الشيخ" بتضامن شعبي واسع، وجرى توقيفه مساء الخميس الماضي، فأعلن إضرابه عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراحه، ولم تقابله عائلته حتى الآن، وفق رواية شقيقه عاطف للجزيرة نت.
وكان الرجل يطالب بأمواله لعلاج والده المريض، فاستمر التفاوض معه نحو 6 ساعات في أثناء احتجازه 6 أشخاص (بينهم مدير المصرف).
وأخيرًا تمكن من استرجاع 35 ألف دولار من كامل وديعته البالغة 210 آلاف دولار، بعد تدخلات سياسية وأمنية إثر تهديده بقتل المحتجزين، ودعوته عشرات المودعين الذين حضروا لمناصرته لانتزاع حقوقهم بأيديهم.
ويفيد "عاطف" بأن شقيقه صبّ على نفسه مادة البنزين وحمل سلاح الصيد، لأن مدير المصرف وجه الإهانات بحقه بعد 4 أشهر كان يتردد فيها على المصرف للمطالبة بتسوية تمكنه من استرداد أمواله.
وعاش "بسام" سنوات في أستراليا عمل خلالها بالتجارة، وهو يتولى رعاية والده، ولديه طفل وحيد يعاني من مشاكل صحية أيضا، وفقا لأخيه. ويوضح أن وديعته ليست له كاملة، بل إن جزءا كبيرا منها لأهله.
ويقول: "تحول بسام من صاحب وديعة إلى مديون بآلاف الدولارات. ومع ذلك، الجميع يعرفه بحسن خلقه ومساعدته للآخرين، ولم يفعل ذلك لولا فقدان أعصابه وعجزنا عن توفير ثمن العلاج لوالدي".
أما حاليًا فقد تطوع عدد من المحامين للدفاع عنه، ولم يصدر بعد قرار قضائي بحقه، ويطالب "عاطف" بالإفراج عن شقيقه أو نقله إلى المستشفى نظرا لوضعه الصحي، محملا المصرف المسؤولية عن أي سوء قد يصيبه.
ذكّرت الحادثة بأخرى مماثلة وقعت يناير/كانون الثاني الماضي، حين احتجز أحد المودعين موظفي مصرف في البقاع، فتمكن من الحصول على وديعته البالغة 50 ألف دولار.
ويرى الخبير الاقتصادي منير يونس أن هذه الحوادث بإطار فردي مقابل أكثر من مليون مودع لبناني لم يمارسوا العنف، وأن ضغط المودعين لم يصل منذ 3 سنوات إلى مستوى خطير يوازي أزمتهم.
بداية الأمر وجذور الأزمة:
انفجرت أزمة المودعين بعد التظاهرات الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، حين اتخذت المصارف التجارية بإيعاز من تعاميم مصرف لبنان المركزي إجراءات غير قانونية آلت لاحتجاز أموال المودعين، وترافقت مع تقارير محلية ودولية تتحدث عن تحويل ملايين الدولارات من لبنان إلى الخارج.
ومنذ ذلك الحين، تفرض المصارف قيودا مشددة على السحوبات بالعملات الأجنبية، وتعددت أسعار الصرف فيها، فتآكلت قدرة اللبنانيين الشرائية وسط هبوط مدوٍ ودرامي لليرة، وبلغت أمام الدولار مؤخرا بالسوق السوداء -التي تتحكم بالقيمة الفعلية لليرة- أكثر من 31 ألفا (سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات).
وفي أول مرة بتاريخه، تخلف لبنان مارس/آذار 2020 عن تسديد إصداراته المستحقة من "اليورو بوندز" بقيمة 1.2 مليار دولار، وهي جزء من قيمة سندات دين بالعملات الأجنبية قيمتها الإجمالية أكثر من 31 مليار دولار، ويستحق دفع آخر سند عام 2037.
ويرفض "نسيب غبريل"، رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في "بنك بيبلوس"، تحميل المصارف أزمة المودعين، بل "هي مسؤولية الدولة والسلطة السياسية التي لم تباشر الإصلاحات لاستعادة ثقة ولتدفق رؤوس الأموال الخارجية".
وقال "غبريل" إن جزءا من الودائع ديون ومستحقات على الدولة اللبنانية للمركزي و"الدولة تريد فقط شطب ديونها، وتحميل المصارف والمودعين عبء ذلك، واقتراح تحويل جزء كبير من الودائع مثلا لأسهم بالمصارف".
ويرى الخبير أن المودع يريد أجوبة عن 3 أسئلة أساسية ما مصير الودائع؟ ولأي مهلة زمنية؟ ومتى سيتصرف بها بحرية؟
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي "منير يونس" أن تحميل الدولة مسؤولية الودائع هي "بدعة" تتستر خلفها المصارف، لأن أموال الناس لديها وليست لدى الدولة.