ملايين الوظائف الشاغرة في ألمانيا لا تجد من يعمل بها... داء قد لا يكون دواءه إلا المهاجرون
كشف المعهد الألماني لأبحاث سوق العمل والتوظيف (أي إيه بي)، أن عدد الوظائف الشاغرة في سوق العمل الألماني وصل إلى مستوى لم يسبق له مثيل، لافتا إلى أن هذا العدد يزيد بنسبة 66 % مقارنة بما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي.
في التفاصيل، فقد أوضح المعهد يوم الخميس (11 أغسطس/آب 2022)، أن عدد هذه الوظائف بلغ 1.93 مليون وظيفة في الربع الثاني من هذا العام، لافتا إلى أن هذا العدد يزيد بنسبة 11 % مقارنة بما كان عليه في الربع الأول من العام ذاته، ويزيد بـ 66% عن العام المنصرم.
وأشار إلى أن عدد الوظائف الشاغرة التي تم رصدها في الفترة بين شهري نيسان/أبريل وحزيران/يونيو من هذا العام يزيد على أي عدد تم رصده في مثل هذه الفترة الزمنية، منذ بدء عمل المعهد في رصد أعداد الوظائف الشاغرة في عام 1992.
يشار إلى أن المعهد يسأل الشركات بشكل دوري عن الوظائف الشاغرة لديها لإتمام مثل هذا الرصد كل عام. وحصد المعهد ردودا من نحو 7500 صاحب عمل من جميع الأوساط الاقتصادية في الربع الثاني من هذا العام.
وقال الخبير الألماني لدى المعهد "ألكسندر كوبيس" أنه "على الرغم من ارتفاع مخاطر الركود، فإن عدد الوظائف الشاغرة ارتفع بقوة ووصل إلى مستوى قياسي غير معتاد".
وأشار "كوبيس" إلى أن التطور القادم يعد مجهولا موضحًا أن "سوق العمل يشير إلى ارتفاع الطلب على العمل، ولكن هناك مخاطر هائلة في المستقبل القريب، على سبيل المثال فيما يتعلق بالوقف المحتمل لإمدادات الغاز من روسيا".
بحث يائس عن العمالة الماهرة:
في تصريحات إعلامية سابقة قال رئيس الوكالة الاتحادية للتوظيف في ألمانيا "ديتليف شيل"، إن بلاده في حاجة ماسَّة إلى نحو 400 ألف مهاجر سنوياً، لسد النقص في اليد العاملة المتخصصة في عدة مجالات، من بينها الرعاية الصحية، والمناخ وتكييف الهواء، والخدمات اللوجستية، والأكاديميات، وغيرها.
وقد حذر "شيل" المسؤولين والحكومة الألمانية المقبلة من عدم القدرة على تأمين اليد العاملة، مؤكدًا في الوقت ذاته ضرورة استهداف أهل الاختصاص تحديداً للحفاظ على ازدهار الاقتصاد الألماني.
ويعزو رئيس الوكالة الاتحادية للتوظيف هذه الأزمة في الأساس إلى شيخوخة السكان التي تشهدها ألمانيا إلى جانب بقية البلدان الأوروبية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض عدد العمال المحتمَلين في سنّ الاحتراف التقليدي بمقدار 150 ألفاً تقريباً.
في سياق متصل، أشارت كذلك عدة إحصائيات رسمية إلى وجود نحو 1.2 مليون وظيفة شاغرة و57 ألف تدريب مهني شاغر في ألمانيا، ومن المرجح أن يرتفع هذا العدد إلى نحو 3.9 مليون شاغر في سوق العمل عام 2030، إن لم تتوصل الجهات الرسمية إلى حلول مجدية.
نتيجة لكل ذلك كان من الضروري فتح الباب للوصول إلى سوق العمل الألمانية للعمال المهرة من دول خارج الاتحاد الأوروبي، إذ إن سكان الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 500 مليون، لن يتمكنوا وحدهم من دفع عجلة الاقتصاد الألماني، على حد تعبير وزير الداخلية "هورست سيهوفر" في تصريح إعلامي سابق.
ولكن على الرغم من التصديق على قانون هجرة الكفاءات في مارس/آذار 2020، الذي مُنح بفضله أكثر من 30 ألف تأشيرة للعمل في ألمانيا، ودخول عديد من الإجراءات والتسهيلات حيز التنفيذ، فإن المشكلة لا تزال قائمة في ألمانيا، أقوى اقتصادات الاتحاد الأوروبي.
لماذا تعجز ألمانيا عن استقدام المهاجرين بشكل فعال رغم أنها تحتاجهم؟
يرى خبراء ومحللون، أن عدة عوامل ساهمت في استمرار عجز ألمانيا على استقبال المهاجرين المختصين من أنحاء العالم، ولعل أهمّها البيروقراطية الإدارية التي تحول دون تسريع الحصول على التأشيرات، إضافة إلى عدم الاعتراف بالشهادات الأجنبية والمؤهلات الجامعية لعديد من المهاجرين القادمين من دول خارج الاتحاد الأوروبي.
كما أن صعوبة اللغة الألمانية وتعلُّمها الذي يستغرق أحياناً وقتاً طويلاً، كانت حائلاً لكثيرين دون التقدم لفرص العمل في السوق الألمانية.
وقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في السياق ذاته، في تقرير نُشر في مايو/أيار 2019، إلى أن ألمانيا من الدول التي تملك المؤهلات والرفاهية للعيش الجيد فيها، ولكنها مع ذلك تحتلّ المرتبة 12 بين أكثر الوجهات جاذبية للعمال المهرة الحاصلين على درجة الماجستير أو الدكتوراه.
واستقبلت ألمانيا، منذ عام 2015 أكثر من مليون لاجئ ومهاجر، أغلبهم من سوريا والعراق وأفغانستان. وطرحت بعد ذلك في عام 2016 قانوناً لإدماج اللاجئين في سوق العمل، ومنحتهم نفس الأولوية مع المواطنين الألمان في التقدم لأي وظيفة كانت، بعد أن كان قانون العمل الألماني يعطي المواطنين الألمان الأولوية.