الطاقة الشمسية تصبح أرخص وسيلة عرفتها البشرية لتوليد الكهرباء
يبدو أنه حان الوقت حتى تأخذ البشرية مصادر الطاقة المتجددة على محمل الجد، وذلك ليس لأسباب بيئية فحسب، بل لأنها ستصبح قريبًا – أو حتى قد أصبحت بالفعل – مجدية اقتصاديًا وأقل تكلفةً من أي مصدر طاقة آخر، بما في ذلك الوقود الأحفوري.
وكانت بداية الطاقة الشمسية، التي تعتبر أشهر مصدر للطاقة المتجددة، مع اكتشاف عالم الفيزياء الفرنسي "إدمون بيكيريل" في 1939 التأثير الكهروضوئي الذي يتيح إنتاج الكهرباء من أشعة الشمس.
وطور أول نموذج من الألواح المصنعة من السيليكون في الولايات المتحدة خلال خمسينيات القرن الماضي، بينما أصبحت النسبة الأكبر من الألواح الشمسية تصنع حاليا في الصين.
أرخص وسيلة وصلت إليها البشرية لتوليد الطاقة:
في هذا الصدد، يشير تقرير أعده علماء من هيئة حكومية دولية ونشر بداية 2022 إلى أن تكاليف تركيب نظام واحد من الطاقة الشمسية انخفض بنسبة 85% بين 2010 و2019، بينما شهدت أسعار تركيب نظام الطاقة المولدة من الرياح انخفاضا بـ 55%.
ووفقا لوكالة إعلام فرنسية شهيرة، يقول "جريجوري نيميت"، وهو أستاذ في جامعة ويسكونسن-ماديسون وأحد مؤلفي التقرير الرئيسين، إن الطاقة الشمسية "تشكل على الأرجح أرخص وسيلة اكتشفتها البشرية لتوليد الكهرباء على نطاق واسع".
ويشير تقرير آخر لـ"بلومبيرج إن آي إف"، كان قد تناول الموضوع نفسه، إلى أن الاستثمارات العالمية في مشاريع الطاقة الشمسية ارتفعت 33 في المائة، خلال النصف الأول من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وحققت 120 مليار دولار.
أما المشاريع المرتبطة بالطاقة المولدة من الرياح، فشهدت تزايدا بنسبة 16 في المائة ووصل مردودها إلى 84 مليار دولار.
ويرى الباحث "نيميت" أن الطاقة الشمسية وحدها يمكن أن تنتج نصف كمية الكهرباء في العالم بحلول منتصف القرن الحالي، مشيرا إلى "وجود إمكانات كبيرة" في هذا الشأن.
أنظمة الطاقة الشمسية تصبح أكثر فعالية بشكل مذهل:
تشير البيانات المتوفرة إلى أن الألواح الكهروضوئية الجديدة في الأسواق فعالة أكثر بـ 20 في المائة، ما كانت عليه قبل خمسة أعوام، ويعود السبب في ذلك إلى استخدام مواد حديثة تعتمد نظامين.
وتشكل الألواح ذات "الطبقات الرقيقة" أحد أبرز الابتكارات في هذا المجال وهي أرخص من تلك المصنوعة من السيليكون. ويمكن تثبيتها على مختلف أنواع القواعد باستخدام مادة البيروفسكيت التي اكتشفها عالم المعادن الروسي لي بروفسكي في القرن الـ 19.
ويرى الخبراء أن هذا الابتكار قد يحدث ثورة في القطاع من خلال زيادة الأماكن التي يمكن فيها إنتاج الطاقة الشمسية، لكن شرط جعل النوع الجديد من الألواح يدوم أكثر من الألواح الحالية، وأن تعمل لفترة تصل أقلها إلى 20 عاما. وتظهر أبحاث جديدة أن هذه الفكرة قابلة للتطبيق.
وفي دراسة نشرتها مجلة "ساينس" في نيسان/ أبريل، أعلن مجموعة من العلماء نجاحهم في جعل فاعلية الألواح المصنوعة من بيروفسكيت مماثلة لتلك الخاصة بالألواح التي يدخل السيليكون في تصنيعها.
واستخدمت دراسة أخرى نشرت في مجلة "نيتشر" نموذجا مرادفا يستند إلى استخدام أشباه موصلات من البيروفسكيت لامتصاص ضوء الأشعة تحت الحمراء القريبة من الطيف الشمسي، فيما تتولى مادة قائمة على الكربون التقاط الأشعة فوق البنفسجية.
المشكلة الرئيسية أمام الطاقة الشمسية... أوقات الليل والشتاء:
في الواقع، تبقى مسألة عمل الألواح عندما تغيب الشمس ليلا بحاجة إلى حل. وهذا الأمر يبرز خصوصًا في البلدان الأوروبية الباردة، لكنه لا يرى كمشكلة كبيرة في الشرق الأوسط.
ونجح باحثون من جامعة ستانفورد هذا العام في تصنيع ألواح شمسية تستطيع توليد الطاقة ليلا باستخدام الحرارة المنبعثة من الأرض.
ويقول رون شوف الذي يرأس الأبحاث المتمحورة على الطاقة المتجددة في معهد الأبحاث الكهربائية EPRI الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا إن هذا القطاع "يحوي أفكارا إبداعية كثيرة على قدر كبير من الإبداع".
ويعد أن أحد حلول المشكلة المتمثلة في زيادة استخدام الأراضي لتثبيت الألواح الشمسية تتمثل في اعتماد الألواح المزدوجة العمل التي ينتج جانباها الكهرباء، فأحدهما يستخدم أشعة الشمس والثاني الأشعة المنبعثة من الأرض.
وتركز حلول أخرى على استخدام ألواح شبه شفافة يحقق استعمالها هدفين يتمثلان في توليد الكهرباء وحماية المزروعات من العوامل المناخية الضارة بها. وتشهد الهند منذ نحو عشرة أعوام تركيب ألواح مماثلة تولد الكهرباء وتحد من عمليات التبخر.
الطاقة التي تصل إلى الأرض في ساعة تكفي البشرية لعام كامل:
يشرح الدكتور "محمد طه"، وهو استشاري في علم الطاقة المتجددة، أن كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلى سطح الأرض ضخمة لدرجة تفوق التصور. إذ أنها تعادل سنويا نحو ضعف ما يتم الحصول عليه من جميع مصادر الطاقة الموجودة على الأرض، كالفحم والبترول والغاز الطبيعي واليورانيوم.
ويضيف "طه" في حديثه لوكالة إعلام عربية شهيرة أن الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض في ساعة واحدة، تكفي أهل الأرض مدة سنة كاملة لو أحسنوا استغلالها. ومن هنا يمكن القول إن الدول العربية لديها المصدر الأساسي لهذه الطاقة نظراً لطبيعة مناخها والطقس المشمس الذي تتمتع به.
كما أن الدول العربية تتمتع بمصادر وفيرة من طاقة الرياح التي تعد واحدة من أهم مصادر الطاقة الخضراء في العالم، إذ تمتلك مواقع جغرافية واسعة تسمح بإنشاء محطات عملاقة لتوليد الطاقة بالرياح.
الصين قد تفتقر إلى الموارد الوفيرة لكنها تخوض اللعبة بقواعدها الخاصة:
بالرغم من اعتبار الدول العربية مصدراً أساسياً للطاقة الشمسية، إلا أن الصين تسيطر بشكل كامل تقريبًا على ما يسمى "نفوذ الشمس" في العالم، حيث ستُهيمن بحلول العام 2025 على 95 في المئة من سلاسل توريد الألواح الشمسية.
هذه الهيمنة المخيفة تعني أن المعدات التي تسمح بتحويل حرارة الشمس إلى طاقة، هي بيد الصين وهذا ما يخشاه الغرب، ويعتبره نقطة ضعف كبيرة في سباق التحوّل إلى الطاقة النظيفة.
من جهته، يقول الأستاذ الجامعي "رامي الجمل"، في حديث للوكالة الإعلامية ذاتها، إن حصة الطاقة المتجددة من إجمالي إمدادات الطاقة في العالم، ستقفز من 14 في المئة في عام 2015 إلى 63 في المئة في عام 2050.
ويؤكد أن دول مجموعة العشرين ستمثل نسبة 85 في المائة من نشر مصادر الطاقة المتجددة مع حلول 2050، بما في ذلك الصين 26 في المئة والولايات المتحدة 15 في المئة والهند 12 في المئة والاتحاد الأوروبي 9 في المئة.