روسيا تنفذ لعبة خطيرة لتصدير النفط إلى أوروبا من الباب الخلفي واتهامات تطال الأتراك

بعيداً عن إزعاج العقوبات الواسعة التي فرضها الغرب على موسكو، وفي محاولة لـ "اللعب على الحبلين" وكسب ود جميع الأطراف، يتسلل مشترو النفط في جنوب أوروبا بهدوء بحثاً عن الخام الروسي من أبواب خلفية.

تظهر بيانات تتبع شحنات الخام زخماً في الطلب على المحروقات الروسية، إذ ارتفعت شحنات النفط الروسي إلى موانئ في إيطاليا وتركيا لتبلغ أعلى مستوياتها منذ عدة أسابيع، ما مثل منفذاً لعبور الخام نحو مناطق شمال أوروبا التي انخفضت الشحنات إليها، وفق بيانات تتبع الناقلات التي ترصدها وكالة "بلومبيرغ" الأميركية.

وزادت شحنات الخام من محطات التصدير في بحر البلطيق والبحر الأسود إلى مصافي التكرير في إيطاليا إلى أعلى مستوى لها في سبعة أسابيع، وكانت الشحنات إلى تركيا هي الأكبر في ستة أسابيع، كما استلمت إسبانيا أولى شحناتها من خام الأورال منذ إبريل/نيسان الماضي.

أيضاً شهد الأسبوع الماضي استلام اليونان أول شحنة من خام الأورال من بحر البلطيق منذ فبراير/شباط الماضي.

علاقة تركيا بهذه اللعبة... اتهامات أمريكية:

كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، في تقرير لها، أن روسيا لديها خطط لاستغلال تركيا وشركاءها التجاريين من أجل التحايل على العقوبات التي يفرضها الغرب التي بدأت في التأثير بشكل أعمق على الاقتصاد الروسي، في أعقاب غزو أوكرانيا.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية في تقريرها، أن لقاء الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، ونظيره التركي "رجب طيب أردوغان" مؤخرًا، هو الثاني لهما في مدة لا تزيد على أسبوعين، وهو ما يثير القلق لدى واشنطن وحلفائها الغربيين.

وأكدت الصحيفة أن روسيا تسعى إلى تعزيز علاقتها مع تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو، والتي رفضت الانضمام إلى العقوبات المفروضة على موسكو. معتبرةً أن روسيا تسعى لفتح قنوات جديدة مع تركيا تمكنها من الهروب بشكل أكبر عن العقوبات التي يفرضها عليها الغرب، خاصة في قطاعات البنوك والطاقة والصناعة.

وزعم تقرير الواشنطن بوست، أن المخابرات الأوكرانية كشفت خطط روسيا، التي من بينها طلب شراء حصص من مصافي النفط التركية وموانئ النفط والاحتياطيات النفطية التركية، والتي من شأنها أن يسمح لموسكو بإخفاء مصدر صادراتها، بعد أن يبدأ حظر الواردات النفطية الروسية الذي يطبقه الاتحاد الأوروبي في التنفيذ بشكل كلي العام المقبل.

وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى ان روسيا طلبت أيضا من الحكومة التركية، أن تسمح البنوك التركية المملوكة للدولة بحسابات مراسلة لأكبر البنوك الروسية، في خطوة يقول اقتصاديون وخبراء العقوبات إنها ستمثل انتهاكًا صارخًا للعقوبات الغربية.

ونوهت أيضًا إلى أنه لا توجد مؤشرات حول ما إذا كانت تركيا ستوافق على هذه المقترحات الروسية، في ضوء أنها يمكن أن تؤدي إلى وضع شركاتها وبنوكها أمام خطر التعرض لعقوبات ثانوية، وقطع روابطها مع الأسواق الغربية.

النفط الروسي يستمر بالتدفق وبكميات كبيرة لكن عبر الأبواب الخلفية:

تسلط التدفقات المتزايدة إلى العديد من الدول الأوروبية الضوء على مدى صعوبة مراقبة تنفيذ العقوبات التي تحظر النفط الروسي تدريجياً، إذ يستمر الخام الروسي في التدفق بكميات كبيرة إلى مختلف البلدان الرئيسية المستوردة.

كما كان لتوقف الإمدادات أخيراً إلى ثلاث دول وسط أوروبا، هي المجر التشيك وسلوفاكيا، بفعل العقوبات الغربية على مدفوعات النفط، تأثير سريع على هذه الدول، ما دعاها للهرولة نحو إنهاء المشكلة خوفا من تداعيات انقطاع الخام عنها، ما يشير إلى أن العقوبات الغربية على الطاقة الروسية أشبه بإطلاق الرصاص على الأقدام بدلاً من استهداف الخصم.

ووفق بيانات "بلومبيرغ"، استقرت شحنات النفط الخام الروسية المنقولة بحراً إلى أوروبا عند نحو 500 ألف برميل يومياً، ولم تتغير كثيراً عما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا.

كما أن إجمالي التدفقات المتجهة عبر مختلف وسائط الإمداد من أنابيب وناقلات بلغ حوالي 3.46 ملايين برميل يومياً في الأسبوع حتى الخامس من أغسطس/آب، وهو ما يقترب من المعدل الطبيعي قبل الحرب البالغ نحو 3.5 ملايين برميل يومياً.

وكانت حزمة العقوبات الأوروبية على موسكو التي جرى إقرارها في يونيو/حزيران الماضي، قد شملت حظر واردات النفط الروسي المصدر إلى أوروبا بحراً، بينما جرى استثناء النفط المنقول عبر الأنابيب نظرا لاعتماد دول مثل المجر وسلوفاكيا والتشيك عليه.

كما كانت كل من بولندا وألمانيا قد تعهدتا بوقف استيراد النفط الروسي الواصل إليهما عبر خطوط الأنابيب بحلول نهاية هذا العام، وهي الخطوة التي قال مسؤولون في الاتحاد الأوربي حينها إن من شأنها وقف 90% من واردات النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي بالنظر إلى مستويات ما قبل الحرب.

نشاط خفي... هكذا تنجو السفن الروسية من بطش العقوبات:

يبدو أن روسيا تحذو حذو إيران وفنزويلا بعد فرض عقوبات أميركية عليهما، حيث تبيع النفط بين الناقلات في المياه الدولية. إذ يتم بيع النفط بين السفن التي تغير وجهتها في المياه الإقليمية وبالتالي يصبح من الصعب تتبع وجهتها النهائية.

وتعتمد هذه التجارة على وسطاء يعملون خارج النظام المالي العالمي. ومن الممكن أن تلعب الشركات الصينية والهندية دوراً محورياً في هذا النوع من الوساطة لبيع النفط الروسي لطرف ثالث، إذ ضمنت هذه العملية استمرار بيع النفط الفنزويلي والإيراني رغم العقوبات المفروضة على البلدين.

وكانت شركة "ويندوارد" المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي البحري، قد قالت في تقرير لها، نهاية مارس/آذار الماضي، إنها رصدت  في الأسبوع السابق لنشر التقرير ما لا يقل عن 33 حالة "نشاط خفي" لناقلات نفط روسية، أي أنها أوقفت أنظمة بث مواقعها خلال عملها، مشيرة إلى أن ممارسات الناقلات الروسية هذه تمثل أكثر من ضعف المتوسط الأسبوعي البالغ 14 حالة في العام الماضي.

وجاءت حالات "النشاط الخفي" في المنطقة الاقتصادية الخالصة لروسيا، أو حولها بشكل أساسي، وفق الشركة التي أجرت البحث بناءً على طلب من بلومبيرغ، بحسب ما ذكر موقع أويل برايس الأميركي المتخصص في الطاقة، وقالت إن السفن المشاركة بهذا النشاط تابعة لشركات كبرى وشركات شحن متعددة الجنسيات، فضلاً عن شركات صغيرة.

ويشترط القانون البحري الدولي على السفن التجارية أن يكون لديها نظام تعرف آلي، يسمى "إيه أي إس"، عامل خلال وجودها في البحر. ويُعدّ التعطيل أو التلاعب بنظام تحديد هوية السفينة على رأس ممارسات الشحن الخادعة، التي استشهدت بها وزارة الخزانة الأميركية في مايو/أيار الماضي، للحد من الشحن غير المشروع والتهرب من العقوبات.

الجدير بالذكر أن روسيا، تعتبر ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية. وقبل الحرب كان أكثر من نصف الصادرات الروسية من النفط يذهب إلى أوروبا، التي كانت تعتمد على موسكو في تغطية 27% من احتياجاتها النفطية، و40% من احتياجاتها من الغاز.