إضراب جماعي للمصارف في لبنان من الغد... كيف بدأت القصة؟
قالت جمعية مصارف لبنان، يوم الجمعة الماضي، إن البنوك ستبدأ إضراباً عن العمل اعتباراً من يوم غدٍ الاثنين، بسبب ما وصفتها بـ"المواقف المضرة والشعبویة على حسابها وحساب الاقتصاد".
واعتبرت أنه "تجد نفسها مضطرة إلى إصدار إنذار عام يكون دعوة للجميع للتعامل بجدية ومسؤولية مع الأوضاع الراهنة" في قطاع المصارف.
وأوضح مجلس إدارة الجمعية أن المصارف تناقشت بموضوع ما سمّاها "الدعاوى الكيدية التي تتعرّض لها المصارف والتي تصدر فيها بعض الأحكام الاعتباطية والشعبوية عن مرجعيات يتمّ اختيارها مسبقاً من المدّعين لغايات لم تعد خافية على أحد".
وهددت الجمعية باحتمال أن يكون الإضراب مفتوحاً مستغلة تداعيات مثل هذه الخطوة على البلاد ولا سيما سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وتحاول المصارف من خلال الإضراب وإقفال أبوابها الضغط أكثر لتحصين وضعها وحماية نفسها وتطويع القضاء التي حاولت البنوك أخيراً كسبهم لصالحها عندما قرّرت منح رواتب القضاة على سعر صرف 8 آلاف ليرة لبنانية الأمر الذي اثار بلبلة كبيرة في البلد وخصوصاً من قبل موظفي القطاع العام الذين يتقاضون رواتبهم وفق سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات، مع العلم أن كثيراً من القضاة رفضوا هذه العملية واضعين إياها في خانة الرشوة.
أصل القصة وبدايتها:
يعود أصل القصة وسبب الإضراب إلى توقيف "طارق خليفة"، وهو رئيس مجلس إدارة "بنك الاعتماد المصرفي"، بعد ورود شكوى جزائية بحقه أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان من قبل صاحبة أسهم تفضيلية.
وقالت إدارة بنك الاعتماد في بيان سابق لها، إنه "بتاريخ 1 أغسطس/آب، ولدى عودته من السفر مع أفراد عائلته فوجئ "خليفة" وهو كان لا يزال في مطار بيروت الدولي بوجود بلاغ بحث وتحر بحقه يفتقد أي مبرر أو سبب مشروع وهو صادر عن المحامي العام الاستئنافي في بعبدا في شكوى خاطئة وكيدية وتعسفية لا تستند إلى أي أساس واقعي أو مسوغ قانوني مقدمة من أحد الزبائن ضد المصرف ورئيس مجلس ادارته وهي تندرج من باب التجني والافتراء على الاثنين معاً".
وبينما أعلنت المصارف الإضراب بدءاً من يوم الاثنين، رغم الإفراج عن رئيس مجلس إدارة "الاعتماد" مقابل كفالة مالية، أشارت في الوقت نفسه إلى أن "الجمعية العمومية سوف تنعقد في العاشر من الشهر الجاري لتقرّر الموقف الذي تراه مناسباً في هذا الشأن"، ما قد يجعل من الإضراب مفتوحاً.
وجاء في بيان جمعية المصارف أنه "إذا كان القانون قد سعى بهدف تحقيق عدالة واعية، إلى إيلاء النظر بدعاوى تتطلب حدّاً أدنى من الإلمام بقوانين خاصة كالقوانين المصرفية والمحاسبية، فإن المصارف تقف باستغراب أمام تجاهل البعض من المكلّفين باحترام القانون ومضمون أحكامه وكأن تطبيق القانون أصبح اختيارياً لهم وليس إلزامياً. ويزيد استغرابها عندما تأخذ هذه المرجعيات تدابير زجرية تتناول حرّيات الأشخاص وكراماتهم وتسيء إلى سمعتهم وتعرّض علاقات المصارف المحلية بالمصارف المراسلة، مما يحدث بالغ الضرر ليس للقيّمين على المصارف فحسب، بل بصورة أولى للمودعين".
ومن الأمثلة التي أوردتها الجمعية في بيانها ما سمّته "عدم فهم هذه المرجعيات لمعنى الرأي المخالف الذي أصدره مفوضو المراقبة الجدّيون لا سيّما الدوليون منهم أخيراً، لدى مراجعة الحسابات المالية ليس فقط للمصارف، بل ربما لجميع الشركات العاملة في لبنان. وقد سها عن بالهم أن الوضع المصرفي في لبنان كما الوضع الاقتصادي هو ضحية مخاطر نظامية وليس ناتجاً من تصرفات فردية اتخذتها المصارف أو غيرها من المؤسسات الاقتصادية حتى يجري تحميل المسؤولية لأفراد".
واعتبرت الجمعية أنه "لو كانت هذه المرجعيات تقرأ أسباب هذا الرأي المخالف، ولو كانت ستفهم هذه الأسباب إن قرأتها، ولو استعانت بخبير محاسبة يوضحها لها قبل اتخاذ قرارها، لكانت علمت أن أسباب الرأي المخالف لا تعود إلى تزوير الحسابات، بل تعود إلى استحالة تطبيق قواعد المحاسبة الدولية بسبب الأوضاع الاقتصادية العامة في البلاد التي هي من مسؤولية الدولة التي أوصلتنا إليها وليس بسبب المصرف المعني، مثل عدم توحيد سعر صرف IAS 21 أو التضخم المفرط IAS 29 أو سواه. وإن الرأي المخالف لا يعني أن الشركة المعنية أو المصرف المعني يحاول إخفاء الأرباح، بل على العكس، لو كان تطبيق معايير المحاسبة الدولية ممكناً، لكانت الخسائر زادت ولم تنقص".
وعلى ضوء ذلك، قالت الجمعية إنها "لا تفهم أسباب توقيف رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد المصرفي ش.م.ل، بسبب ورود شكوى جزائية بحقّه أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان من قبل صاحبة أسهم تفضيلية تعيب عليه أنه لم يوزّع لها أرباحاً في وقت لم يحقّق المصرف أرباحاً ليوزعها".
وخلصت الجمعية في بيانها إلى القول إن "هذه الأوضاع الشاذة والتي حاولت المصارف قدر الإمكان التعامل معها بمرونة ولو على حسابها، بلغت حدّاً لم يعد مقبولاً، وهي لم تعد تستطيع أن تتحمّل المواقف المضرّة والشعبوية على حسابها وحساب الاقتصاد، وهي تجد نفسها مضطرة إلى إصدار إنذار عام يكون دعوة للجميع للتعامل بجدية ومسؤولية مع الأوضاع الراهنة بهدف السير نحو التعافي الحقيقي. وعليه، إن المصارف العاملة في لبنان تعلن الإضراب ابتداءً من يوم الإثنين الواقع فيه 8 أغسطس/آب 2022، على أن تقرّر الجمعية العمومية للمصارف التي سوف تنعقد في العاشر من أغسطس الموقف الذي تراه مناسباً في هذا الشأن".
ولم يكن اجتماع الجمعية موحَّد الآراء، إذ عُلِمَ أن بعض مديري المصارف فضلوا عدم سلك طريق الإضراب، بيد أن القرار صدر بعد موافقة الغالبية عليه.
وتتكرر خطوات الإضراب والتوقف عن العمل في القطاع المصرفي في لبنان سواء من جانب البنك المركزي نفسه أو المصارف العاملة في لبنان وذلك في كلّ مرة يصدر فيها قرار قضائي بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أو البنوك أو يتخذ أي تدبير يطاولهم، محاولين استغلال انعكاسات الاقفال السلبية على المواطنين والبلد، ولا سيما لناحية ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء.
وسجل سعر صرف الدولار في السوق السوداء يوم الجمعة ارتفاعاً يجعله يلامس عتبة الـ 31 ألف ليرة لبنانية بعدما كان يشهد نوعاً من الاستقرار على خطّ الـ 29 ألف منذ فترة طويلة، وأحدث سعر صرف مسجل للدولار في لبنان قد بلغ 31150 ليرة لبنانية للدولار الواحد.