السكر يصل إلى أسعار باهظة في سوريا... ماذا يحدث وراء كواليس هذه الأزمة؟

من بين أغلب السلع والمنتجات التي طالها الغلاء في سوريا، كان السكر هو صاحب النصيب الأكبر من ناحية الجدل والأخذ والرد في الإعلام ومواقع التواصل. خصوصًا بعد وصول سعر الكيلو إلى 5 آلاف ليرة في الأسواق.

فما إن أقلع معمل سكر "سلحب" بريف مدينة حماة السورية للعمل، حتى تأذت الأراضي الزراعية ونفقت الأسماك بسبب التلوّث ونواتج الصناعة، بحسب مزارعين في المنطقة، ما زاد من لغز تشغيل المعمل اليوم، بعد إيقافه لمدة سبع سنوات، إلى جانب خمسة معامل سكر أخرى.

وكان رئيس مجلس الوزراء "حسين عرنوس" قد وافق، الأسبوع الماضي، على رفع سعر شراء محصول الشوندر السكري من المزارعين، لموسم 2022/ 2023، إلى 400 ليرة سورية للكيلو غرام (الدولار = نحو 4170 ليرة)، بعد احتساب التكلفة النهائية للمنتج بالسعر الرائج.

وعزت الحكومة هذا القرار لما اعتبرته "تخفيف فاتورة استيراد السكر وتغطية الاستهلاك المحلي، وتشجيع الفلاحين على زراعة أراضيهم، وبالتالي الحصول على أكبر كمية من الإنتاج المسلم إلى مؤسسات الدولة".

ما هي قصة إيقاف وتشغيل معامل السكر؟

يقول المهندس الزراعي "يحيى تناري" إن توقف المعامل يعود بالدرجة الأولى إلى تراجع إنتاج الشوندر السكري وخسائر الفلاحين المتكررة، لأن السعر السابق لم يزد عن 17 ليرة سورية للكيلو وجرى رفع الأسعار تدريجياً إلى 175 ومن ثم إلى 250 ليرة، ولكن بقيّ السعر أقل من تكاليف الإنتاج الزراعية، إلى أن جاء الرفع الأخير قبل أيام.

ويؤكد تناري أن قصة إيقاف المعامل جاءت أولاً، ما جعل زراعة الشوندر غير ذات جدوى، ولو أن بعض المعامل بقيت على قيد الإنتاج، لرأينا استمرار الزراعة وتبرير أجور العمال الذين ما زالوا على قيود معامل السكر.

ويشير "تناري"، في حديثه لصحيفة "العربي الجديد" إلى أن طاقة معمل سلحب الإنتاجية يومياً تبلغ نحو 4 آلاف طن، في حين لا يصل كامل الإنتاج بسورية إلى 100 ألف طن، بعد تراجع المساحة المزروعة بالمحصول هذا العام إلى أقل من ربع ما كانت عليه عام 2011. مبيناً أن الأراضي التي زرعت بالشوندر السكري بلغت 1836 هكتاراً هذا العام في عموم سورية.

ويضيف المهندس السوري أن الفلاحين أحجموا عن زراعة الشوندر، رغم بعض التسهيلات، كتخصيص مازوت بالسعر المدعوم وبعض المستلزمات (ثماني ليترات مازوت للدونم) وتقديم مؤسسة إكثار البذار الحكومية عبوات البذار البلجيكي بزنة كيلوغرام بسعر 30 ألف ليرة، إلا أن تلك "التسهيلات" تبقى برأي "تناري" غير مشجعة، خاصة بواقع محدودية المياه وارتفاع تكاليف السقاية بسبب ارتفاع أسعار المحروقات (الشوندر زراعة شرهة للمياه) وتخللت الموسم موجات صقيع أتت على مساحات كبيرة منه.

وتعالت شكاوى المزارعين، بمنطقة الغارب بريف حماة، جراء تلوث الأراضي الزراعية ونفوق الأسماك، بعد نحو أسبوعين من تشغيل معمل سكر "سلحب"، الأمر الذي كبد الفلاحين خسائر فادحة، بسبب صب منتجات التقطير في مجرى العاصي والمصارف الزراعية وقنوات الري بالمنطقة، بحسب ما أوردت صحيفة "الوطن" المحلية.

ونقلت الصحيفة في وقت سابق عن "مصطفى عليوي"، مدير الثروة الحيوانية في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب قوله: "شاهدنا، بسبب تلوث المياه، نفوق أعداد من الأسماك".

لكن مدير معمل سكر تل سلحب "رامي عيسى" نفى أن يكون للنواتج الصناعية دور بتلوث الأراضي ونفوق الأسماك، مبيناً للصحيفة نفسها أن "الإنتاج بالمعمل يسير بشكل جيد حتى اليوم".

وحول نواتج المعمل وتسببها بتلوث البيئة ونفوق الثروة السمكية، استغرب عيسى هذه الحملة ضد المعمل، موضحاً أن عمر المعمل 45 سنة، ونواتجه تحول لأحواض ترابية بأرض الشركة وكانت تُعزَّلُ كل سنة، وفيه صرف صحي.

ويكشف "محمود قدور"، العامل المتقاعد في معمل سكر سلحب، أن نواتج الصناعة كانت تصب بنهر العاصي، ولا تتسع الأحواض الترابية للنواتج، خاصة خلال ذروة الإنتاج.

ويؤكد "قدور" للصحيفة ذاتها أن معامل السكر في سورية كانت موزعة على مناطق الإنتاج جميعها "معمل تل سلحب، حمص، دير الزور، الرقة، مسكنة والغاب"، لكنها توقفت تباعاً، وآخرها معمل سلحب عام 2014، بسبب قلة الإنتاج وتدني الأسعار والأحداث الأمنية التي شهدتها مناطق الشركات، (قبل أن يعود للعمل في منتصف الشهر الماضي).

وكان "عمرو سالم"، وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد أكد خلال تصريحات سابقة، أن تكلفة مادة السكر في البلاد التي تستورد منها الحكومة بلغت ألفا و825 ليرة سورية للكيلو الواحد منه، موضحًا أن سعر الكيلو يصل بعد حساب تكاليف الشحن وعمولات المصارف والجمارك إلى حوالي ألفين و445 ليرة.