ما حقيقة الركود الذي يخشاه قادة العالم وكيف يمكننا النجاة منه كأفراد؟

عندما نتحدث عن الركود، يستحضر الناس فقط ذكريات سيئة للأزمة المالية عام 2008، ويخطر ببالهم أولًا أن ذلك يعني خسارة الوظائف. لكن الوضع حاليًا أكثر خطورة وقابلية للتأزم، حيث تجتمع عوامل التضخم المحتدم، والتدابير الحازمة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وأسواق الأسهم المتقلبة لإحداث أزمة تاريخية جديدة إذا لم يتدخل صناع السياسة والاقتصاد بشكل ما لإنقاذ الأمر.

ما هو الركود؟

يتنوّع التعريف الرسمي، حيث يعرّف البعض الركود بأنه ربعان متتاليان من السنة يتراجع ​​فيهما الإنتاج، وهو الأمر الذي حدث للتوّ. ورغم ذلك، فإن المكتب القومي للبحوث الاقتصادية هو المسؤول تقنياً عن إعلان فترات الركود، والتي يعرّفها بأنها "هبوط هائل في النشاط الاقتصادي الذي ينتشر في كافة أنحاء الاقتصاد ويتواصل لما يزيد عن بضعة شهور".

على أي حال فحين يلوح الركود في الآفاق، يجتمع المسؤولون في أمريكا سرًا وتتشكّل لجنة من خبراء اقتصاد وأكاديميين، أو "مثقفين"، بحسب أحد الأعضاء السابقين. ومن المعتاد أن يستغرق الأمر نحو سنة حتى يتم إصدار قرار حول إطلاق مسمى الركود.

من الممكن أن يختلف طول مدة الركود بطريقة كبيرة. وكمثال على ذلك، فقد دام الركود الناجم عن وباء فيروس كورونا خلال سنة 2020 لمدة شهرين فقط، بينما استمر الكساد الكبير لمدة 18 شهراً تقريباً.

هل دخل العالم حاليًا في أزمة ركود؟

يعتمد ذلك على من هو الشخص الذي توجه له هذا السؤال، حيث يقول غالبية خبراء الاقتصاد إن هذا لم يحدث بعد، رغم هبوط الناتج المحلي الإجمالي للربعين المتتاليين.

وفقاً للمحلل المخضرم "مارك هامريك"، فإن استمرار قوة سوق العمل يعقّد الموقف. إذ زادت الولايات المتحدة من الوظائف في الشهر الماضي بما يفوق التوقعات، وتراجعت طلبات الحصول على التأمين ضد البطالة في الولايات المتحدة لأول مرة منذ 4 أسابيع.

علاوة على ذلك، فإن الإنفاق الاستهلاكي ثابت بصفة عامة، رغم أن الكثير من الأشخاص يغيّرون عادات التسوق لديهم.

لذلك قال الرئيس الأميركي "جو بايدن": "لن نكون في حالة ركود اقتصادي"، حيث احتج مسؤولو الإدارة الأميركية بأن المشهد الاقتصادي معقّد نتيجة مشكلات سلاسل التوريد وأسعار السلع الأساسية المتقلبة.

إذا لم يحدث الركود الآن هل سيحدث قريبًا؟

أظهر استطلاع للرأي أجرته "بلومبرغ" مع خبراء اقتصاد أن احتمال حدوث ركود خلال الـ 12 شهراً المقبلة يصل إلى 50% تقريباً، لكن العديد من الأسر والشركات تشعر أنه موجود بالفعل. ويقول معهد "ويلز فارغو إنفستمنت إنستيتيوت" إن هذا الافتراض صحيح.

ويختلف الخبراء حول ما إذا كنا نمر فعلاً بحالة ركود، فربما تكون البيانات الرسمية حول الركود الاقتصادي بمثابة مؤشر متأخر. ولا يُعدّ ذلك أمراً مفيداً بالضرورة للأشخاص الذين يُصدرون في الوقت الراهن القرارات الخاصة بحياتهم اليومية واستثماراتهم.

ماذا نفعل كأفراد أمام الركود... هل سنطرد من العمل بسببه؟

في الوقت الحاضر، ما زالت سوق العمل الأمريكي تتمتع بالقوة. وفي الشهر الماضي، أضاف أصحاب الأعمال 372 ألف وظيفة، ووصل معدل البطالة حالياً إلى نسبة 3.6% فقط.

هناك بعض القطاعات بها مواطن ضعف، لكنها تتركز غالباً في قطاع شركات التكنولوجيا، حيث سجلت الشركات تراجعاً سريعاً في أسعار أسهمها. كما تم خفض الوظائف أيضاً في شركات العملات المشفرة على غرار شركة "كوينباس غلوبال" وشركة "جيميني تراست".

وفي هذا الصدد جرت العادة برصد سوق العمل الأمريكي والمؤشرات الاقتصادية الأمريكية لأن الولايات المتحدة هي القائد في مركب الاقتصاد العالمي، وعندما يستشعر الركاب أي أزمة تصيب القائد، فإن الأمر لن يدوم طويلًا قبل أن يتحول إلى كارثة عالمية واسعة النطاق.  

أما بالنسبة لما يمكن فعله، فالنصيحة الأكثر شيوعاً من خبراء ماليين هي ببساطة: "لا تفزع".

وينصحنا الخبراء أن الوقت الراهن لا يُعدّ وقتاً ملائماً لاتخاذ قرارات صارمة أو الاستعجال بتحويل جميع استثماراتك وتجارتك إلى أموال نقدية، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار معدل التضخم العالي.

رغم ذلك، من الجيد أن تدرس تقبلك للمخاطر والتأكد من تنويع محفظتك إذا كنت تاجرًا أو مستثمرًا.

على أي حال ننصحك من الآن أن تحاول تقليل نفقاتك، وزيادة مدخراتك، وابتعد عن تخزين السلع والتورط بكميات كبيرة منها إذا كنت تاجرًا، لأن قدوم الركود يعني ببساطة أن البضاعة لديك ستكون بدون فائدة استثمارية أو تجارية ملموسة، وسيكون النقد هو الملك.

أما إذا كنت موظفًا فحاول الادخار قدر الإمكان وابحث عن عمل إضافي بدوام جزئي إذا استشعرت خطر فقدان عملك الحالي قريبًا.

هل يمكن للولايات المتحدة تفادي إيقاع العالم بحفرة الركود؟

يُعدّ ذلك ممكناً، رغم أنه ليس مرجحاً. فمن أجل التصدي لارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يزيد أسعار الفائدة، بهدف تهدئة الاقتصاد بالقدر الملائم لتنظيم ما يطلق عليه عملية "الهبوط السلس". وأضاف البنك المركزي الأميركي لأسعار الفائدة 75 نقطة أساس للشهر الثاني على التوالي.

يكمن الخطر في أن الارتفاعات تحدّ من طلب المستهلكين بطريقة هائلة، ما يسفر عنه تراجع أرباح الشركات وفقدان وظائف. وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، "جيروم باول"، في أواخر الشهر الماضي، إن بلوغ هذا التوازن المثالي سيشكّل "تحدياً هائلاً".

هناك أيضاً أثر نفسي شديد على العمل. وفي حال اعتقد المستهلكون أن البلد يمر بحالة ركود اقتصادي أو أنه سيشهد حالة من الركود في وقت قريب، فربما يكبحون عمليات الإنفاق، ما يلحق الضرر بالاقتصاد. ويُعدّ ذلك مخاطرة حقيقية مع الأخذ في الاعتبار أن أكثر من نصف الأميركيين يؤمنون بأن الولايات المتحدة تعيش في الوقت الراهن حالة ركود، بحسب مجلة "إيكونوميست" وشركة "يوغوف بول".  كما أن صعود معدلات قد يضطر الأشخاص أيضاً إلى شراء كميات أقل.