دول الخليج تفيض بالمليارات في عصر جنون أسعار النفط وخبراء يحذرونها من أزمة متخفية
من المعروف أن غالبية دول الخليج جنت أرباحاً وفيرة وفاضت خزائنها بالدولار من ارتفاعات أسعار النفط والغاز. مما ساعدها على وقف نزف احتياطيات النقد الأجنبي وتعزيز موازناتها المالية. وذلك بعد فترة عصيبة أصبحت فيها أسعار النفط أرخص من ماء الشرب تقريبًا خلال أزمة كورونا.
ولعل ذلك يكون جليًا إذا علمنا أن ثروة الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تقدر بنحو 2 تريليون دولار، وتسهم تلك الدول بخمس إمدادات النفط العالمية. وتمثل إيرادات النفط من 70 إلى 90 في المئة من الدخل العام في دول الخليج العربية.
الرابحون من حرب أوكرانيا:
يعتبر "طارق الشيخ"، وهو خبير متخصص في شؤون الطاقة، أن ارتفاع سعر النفط الحادث اليوم على خلفية الحرب الأوكرانية أمر يصيب العالم بحالة من عدم اليقين، ما يعني زيادة مطردة في أسعار النفط والغاز في الأسواق.
ويضيف، في حديثه لصحيفة "العربي الجديد"، أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر من الرابحين من أحداث أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط من حيث اعتماد اقتصاداتها على صادراتها من النفط والغاز. وينعكس ذلك في زيادة حجم الإيرادات، ما يعني أيضاً تحقيق فوائض مالية كبيرة تنزع معها الموازنات المالية أعباء جائحة كوفيد 19 الثقيلة، وهو ما لم يحدث منذ عام 2014.
ميزانيات دول الخليج:
يؤكد "الشيخ" وجود تقديرات تشير إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بدول التعاون الخليجي بنسبة 6.1% عام 2022، ومن الطبيعي أن يقابل هذا الارتفاع في الأسعار ارتفاعاً كبيراً في أسعار الواردات لدول الخليج التي تعتمد بنسبة كبيرة على الواردات لكثير من السلع.
ويتابع: "حسب تقرير حديث صادر عن مجموعة ميتسوبيشي المالية، فإن الفائض المتوقع لدول الخليج العربية في العام الحالي يقدر بحوالي 27 مليار دولار، ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن كل ارتفاع لأسعار النفط بعشرة دولارات ينعكس إيجاباً على ميزانيات دول الخليج بما يعادل 3.25% زيادة في الإيرادات لتحسين المالية العامة، ويزيد الميزان التجاري بنسبة 4.2%."
ويعتبر أن كل هذه المؤشرات الإيجابية التي ستعزز موازنات الدول الخليجية وتحقيق فوائض مالية فيها ستعينها على المضي قدماً في تنفيذ خططها التنموية التي تأخرت بسبب جائحة كورونا.
ما يجب أن تحذر منه وتخشاه دول الخليج:
يرى الأمين العام لمجلس الأعمال الأوروبي العربي "محمد يوسف بهزاد" في حديثه للصحيفة ذاتها أن ليس من مصلحة الدول المنتجة للنفط أن تستمر معدلات الأسعار في الارتفاع، حيث سيعود عليها وعلى الاقتصاد العالمي بالضرر وبالركود التضخمي الكبير الذي إن استمر سيتحول للأسواق إلى كساد عظيم.
ويضيف أن أوبك ستعمل جاهدة على تحقيق سعر عادل عند مستوى 60 إلى 70 دولاراً للبرميل، بحيث يكون ذلك مرضياً لكلا المنتجين والمستهلكين على السواء.
ويلفت إلى أن انخفاض سعر النفط دون 60 دولاراً للبرميل سينعكس سلباً على مداخيل وحصص بعض الدول الأعضاء في أوبك وغيرها من الدول المنتجة للنفط نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج لديها.
ويقول "بهزاد" إن توقعات السوق المستقبلية للنفط للعام الجاري تراوح بين 110 إلى 120 دولاراً للبرميل حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ما لم تحدث تطورات دراماتيكية جوهرية تنسف معدلات وتنبؤات السوق.
وحول تحذيرات صندوق النقد الدولي لدول الخليج بتآكل احتياطاتها النقدية بتغيير معطيات السوق العالمية للنفط والمواد الأساسية الأخرى، يرد قائلاً إن الولايات المتحدة لديها حصة الأسد بذلك الصندوق بنسبة 25 بالمائة، ولا يستبعد أن تكون بعض تقاريره مسيسة أو موجهة لمآرب اقتصادية أميركية على المدى الطويل.
الجدير بالذكر أن صندوق النقد الدولي كان قد حذر دول الخليج العربية في تقرير صدر عام 2020 من جفاف مواردها المالية خلال الـ 15 عاماً المقبلة، إن هي لم تباشر بإصلاحات مالية.
لكنه يرى أن جميع دول الخليج ودول أوبك أمامها فرصة تاريخية سانحة اقتصادياً وسياسياً لكي تستفيد من دورها كمنتج للثلث المؤثر في سوق النفط العالمية.
هل انخفاض أسعار النفط مجددًا يعتبر تهديدًا وجوديًا لاقتصادات الخليج؟
يرى "بهزاد"، أن الحديث عن كون دول الخليج مهددة بالتعثر المالي نتيجة انخفاض أسعار النفط في بعض الأوقات فيه شيء من المبالغة. إذ يمكن الإشارة إلى تعرض الموازنات المالية لبعض دول الخليج ودول "أوبك" للضغوط نتيجة التوسع في السياسات المالية والإنفاق الاستثماري الضخم الذي جلب معه ارتفاعًا في الأسعار وتنامي معدلات الاستهلاك المحلي عندما انخفضت أسعار النفط خلال الأزمة الماضية، إلا انها سرعان ما استعادت عافيتها، فرجعت أرصدة صناديقها السيادية إلى سابق عهدها، بل أكثر بقليل.