قصة بيع برج إيفل وجسر بروكلين... أذكى وأغرب عمليات نصب في التاريخ

يتفنن المحتالون في ابتكار طرق وأساليب النصب، فبعضهم من يحاول أن يستفز طمعك بالأرباح الوفيرة مقابل الجهد القليل، وبعضهم من يحاول إقناعك باستثمار مزيف لتهدر أموالك عليك. لكن على ما يبدو أن طرق الاحتيال التقليدية هذه لم تعجب الجميع، فلجأ البعض إلى أساليب غريبة وهي على الرغم من كونها ذكية لا تخلو من الطرافة.

جورج باركر وقصة بيع جسر بروكلين:

ولد "جورج باركر" عام 1860 بمدينة نيويورك لأبويين إيرلنديين من الطبقة المتوسطة، هاجروا إلى أمريكا سعياً وراء الحلم الأمريكي، ولكن "جورج" كان لديه حلم مختلف عن معظم الأمريكيين الآخرين حيث تخرج من المدرسة الثانوية لينطلق إلى عالمه الجديد من النصب والاحتيال على الناس.

وصلت خططه لذروتها عندما حاول بيع المعالم الأمريكية الشهيرة الموجودة في مدينة نيويورك لا سيما "جسر بروكلين"، والذي باعه عدة مرات لأفراد مختلفين.

كان "باركر" إنسانا ذكيا وركز على محاولات بيع جسر بروكلين، نظرا لافتتان المهاجرين الجدد به كمشهد مثير للإعجاب، ومعلم رئيسي من معالم أمريكا.

يبدأ "باركر" احتياله بارتدائه الملابس الفاخرة ومحاولة التعرف على المهاجرين الجدد الذين وصلوا إلى نيويورك ولديهم المال ويمكن خداعهم. وفى سياق الحديث معهم يدعي أنه المسؤول عن ذلك الجسر ويبحث عن شخص ما للعمل في كشك الرسوم الذي سيقيمه قريبًا عند بداية الجسر.

ثم إذا وجد تجاوبا واهتماما من الضحية يعرض عليه العمل كمسؤول عن الكشك مع محاولة إغرائه بأنه يدر أرباحًا هائلة، وإذا وجد تجاوبا أكثر فإنه يعرض على الضحية فرصة فريدة ومربحة ليصبح شريكًا تجاريًا ويمتلك جزءًا من الجسر أو الجسر كله بحسب الأموال المستعد لدفعها.

ولإثبات ادعاءاته كان يصطحب ضحاياه إلى مكتبه والذي كان مزيفا بالطبع ويعرض لهم مستنداته المزورة، والتي تؤكد امتلاكه لذلك الجسر.

كانت هناك تقارير تشير إلى أنه باع ذلك الجسر بمبلغ وصل إلى 50 ألف دولار وهو مبلغ يعادل 1.3 مليون دولار بوقتنا الحالي.

الطريف بالموضوع أن أحد الضحايا الذي اعتقد نفسه مالكًا للجسر ذهب وشرع في إقامة كشك لتحصيل الرسوم بينما كانت حركة المرور بكامل قوتها، وتم إخطار الشرطة بسرعة لتلقى القبض على الشخص المخدوع بتهمة استغلال أراضي ومنشآت حكومية.

ثم للمرة الثانية باعه لشخص أخر وألقي القبض عليه، وتكرر الأمر للمرة الثالثة. ولمحاولة إيقاف ذلك الجنون قامت الشرطة بوضع العديد من اللافتات حول الجسر قائلة إنه "أرض حكومية وليس للبيع" وبذلك أنهت أي فرصه لمحاولة بيعه مجددا من قبل "باركر".

لكن الرجل لم ييأس حيث اتجه لممارسة نفس أفكاره الاحتيالية في بيع منشآت عامة أخرى خلاف الجسر مثل حديقة ميدان ماديسون وتمثال الحرية ومتحف المتروبوليتان للفنون، وحتى ضريح الجنرال جرانت، والذي قدم أوراقا مزورة مدعيا أنه حفيده وهو من يمتلك الضريح.

استطاع "باركر" مواصلة عمليات النصب لأكثر من 40 عامًا تكاد تكون جميعها توجت بالنجاح، حتى عام 1928، حين تم أخيراً إلقاء القبض عليه وإدانته بـ 3 عمليات نصب واحتيال مما أدى إلى الحكم عليه بالسجن مدى الحياة في سجن سينغ سينغ أحد أسوأ سجون نيويورك.

الكونت "فيكتور لوستج"... الرجل الذي باع برج إيفل!

لم يكن الكونت "فيكتور لوستج" مجرد محتالٍ تقليدي، إذ أن هذا الرجل يختلف كثيرًا عن أي محتال أخرى قد تورطنا معه أو سمعنا عنه في حياتنا.

ملاحظة: الكونت هو لقب يطلق على النبلاء أو الشخصيات ذات الثراء والمركز الاجتماعي المرموق في البلدان الأوروبية في العصور الوسطى

خلق الكونت "لوستج" شبكة كثيفة من الأكاذيب حوله لدرجة أن هويته الحقيقية لا تزال محاطة بالغموض حتى اليوم.

في السجن، أطلق عليه زملاؤه والمسؤولون لقب "روبرت ف. ميللر"، والذي كان أحد أسمائه المستعارة الكثيرة.

ولطالما ادعى الرجل المخادع أنه ينحدر من سلالة عريقة من الأرستقراطيين الذين يمتلكون قلاعاً أوروبية، وحرص دائماً على أن يبدو بمظهر الرجل المحترم والنبيل، لكن الوثائق المكتشفة حديثاً تظهر أن بداياته كانت متواضعة.

وصل "لوستج" في عام 1925 إلى باريس، حيث أقام بأحد أشهر الفنادق وأعلاها تكلفة، وقدم نفسه على أنه مسؤول رفيع الشأن في الحكومة الفرنسية؛ ومن هناك كتب إلى كبار العاملين في صناعة الخردة المعدنية، ودعاهم إلى الفندق لحضور اجتماعٍ خاص.

بدأ خطابه بلهجة شديدة الجدية حيث قال "بسبب الأخطاء الهندسية والإصلاحات المكلفة والمشاكل السياسية التي لا يمكنني مناقشتها، أصبح هدم برج إيفل إلزامياً"، وبناء على ذلك أعلن أن البرج سيباع لمن يدفع السعر الأعلى.

لم يتوارد الشك إلى ذهن أحد من الحاضرين والذين يملكون جميعهم رؤوس أموال ضخمة، فكل شيء في مظهر "لوستج" يوحي أنه شخص نبيل وبدا حديثه مقنعاً للغاية، فبدأت العروض تنهال عليه.

وهكذا وبكل ثقة وجرأة تمكن "لوستيج" من بيع برج إيفل مرتين على التوالي بمبلغ ضخم أضافه إلى ثروته الهائلة.

حكم بالسجن على "لوستج" لمدة 20 عاماً واقتيد إلى جزيرة الكاتراز، هناك حيث قدم ما يزيد عن 1192 طلباً لنقله إلى المشفى بحجة حالته الصحية المتردية مزوداً طلباته بما يزيد عن 507 وصفات طبية أعطاها له أطباء السجون، لكن كل تلك المحاولات كان ينظر لها على أنها محاولة للهرب.

وفي عام 1947 ساءت حالته الصحية فعلاً وتوفي نتيجة إصابته بالتهاب رئوي.

وبعد وفاته استقطبت قصته اهتمام المؤرخين الذين راحوا يبحثون عن أثر له في بلدة هوستيني النمساوية، وتأكدوا من أنه لم يولد هناك قط.

لذلك وحتى اليوم، لا يعرف أحد أي معلومة حقيقية عن هوية الكونت المخادع، لكن يعترف العالم أنه من أكثر المحتالين براعة في التاريخ، ومن المثير للسخرية أن مسؤولي السجن لم يعرفوا ما هي وظيفته الحقيقية لتسجيلها في وثيقة وفاته فكتبوا "بائع مبتدئ".