أوروبا تروي عطشها للطاقة في الصحراء الأفريقية وتدرس مشاريع بـ 100 مليار دولار
يؤكد رؤساء تنفيذيون في قطاع الطاقة ومسؤولون أفارقة، أن حاجة أوروبا إلى مصادر بديلة عن إمدادات النفط والغاز الروسية الخاضعة لعقوبات تحيي من جديد الاهتمام بمشاريع الطاقة الإفريقية التي تم تجنبها بسبب ارتفاع التكاليف والمخاوف من المناخ.
لهذا السبب تدرس شركات الطاقة مشاريع في القارة بقيمة إجمالية تصل إلى 100 مليار دولار وفقا لحسابات "رويترز". وقد تشهد الدول الإفريقية ذات الإنتاج الضئيل أو التي ليس لديها أي إنتاج على الإطلاق استثمارات في مجال الطاقة في الأعوام المقبلة، مثل ناميبيا وجنوب إفريقيا وأوغندا وكينيا وموزمبيق وتنزانيا.
ثروات غاز هائلة لكنها دفينة في القارة السمراء:
يمكن أن تنتج ناميبيا وحدها نحو نصف مليون برميل يوميا من مشاريع نفط جديدة بعد اكتشاف آبار واعدة في الأشهر الأخيرة وفقا لتقديرات غير منشورة ذكرها مستشاران في القطاع.
ويمكن لإفريقيا ككل أن تعوض ما يصل إلى خمس صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا بحلول 2030، كما أن 30 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الإفريقي يمكن أن تتدفق إلى أوروبا سنويا بحلول ذلك الوقت.
في هذا الصدد، قال "جيل هولزمان" الرئيس التنفيذي لشركة إيكو أتلانتيك الكندية للنفط والغاز: "بينما يسعى العالم لاستبدال الشحنات الروسية من النفط والغاز، يركز القطاع الآن على مزايا النفط الذي يمكن أن تقدمه إفريقيا".
وأضاف "الشركات الكبرى تزيد استثماراتها، تقدم عطاءات تنافسية للتنقيب والتطوير والإنتاج"، في إشارة إلى نشاط في حقول نفط قبالة سواحل ناميبيا وجنوب إفريقيا.
أوروبا على عجلة من أمرها:
أوضح الرؤساء التنفيذيون والمسؤولون أن الشركات والدول التي تتطلع إلى ضخ استثمارات في مشاريع النفط والغاز في إفريقيا تدرك أنه يجب عليها التحرك بسرعة للاستفادة من الاحتياطيات غير المستغلة في ظل زيادة الطلب المحلي على الوقود والطاقة.
وفي الشهر الماضي وقعت تنزانيا اتفاقية إطارية للغاز الطبيعي المسال مع شركة الطاقة النرويجية العملاقة إكوينور وشركة شل الإنجليزية الهولندية من شأنها تسريع تطوير خط تصدير بقيمة 30 مليار دولار.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة توتال إنرجيز الفرنسية، خلال زيارة إلى مابوتو عاصمة موزمبيق في إنه في حال تحسن الوضع الأمني فإن الشركة تهدف إلى استئناف مشروع للغاز الطبيعي المسال بقيمة 20 مليار دولار هذا العام بعدما توقف بسبب أعمال عنف.
وذكر أن توتال بحاجة إلى تعويض الإنتاج والإمدادات الروسية الآخذة في التناقص بعد فرض عقوبات عليها، مشيرا إلى أن الشركة تعمل على تسريع النشاط في ناميبيا الواعدة من حيث الإنتاج النفطي.
وأضاف "جونزالو فالكاو" من شركة المحاماة العالمية ماير براون التي تقدم الاستشارات لشركات عاملة في مجال الطاقة الإفريقية: "هناك تحرك كبير الآن سعيا للمضي في هذه المشاريع"، مشيرا إلى مشاريع غاز تبلغ كلفتها عشرات المليارات من الدولارات في شرق إفريقيا. وأضاف "من الواضح أن هناك إحساسا بأن الفرصة سانحة لتعزيزها".
في أي الدول يمكن الحصول على النفط الأفريقي؟
بالنسبة للنفط الإفريقي لا يبرز مكان في الواجهة أكثر من ناميبيا، ورغم أنها ليست دولة منتجة بعد، تنقب فيها شركات كبرى وتبحث في بياناتها الجغرافية ومياهها منذ عقود، إلى أن اكتشفت شل في فبراير ما وصفته بأنه إمداد مشجع من الخام الخفيف، وهو النوع المطلوب لإنتاج البنزين والسولار.
وبعد مرور ما يقرب من شهرين من تفجر الأزمة الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط لمستويات شبه قياسية، بدأت شركة "شل" عمليات تنقيب في آبار واحدة تلو الأخرى لأول مرة في تاريخها الممتد منذ نحو 150 عاما حسبما قال مصدران في قطاع النفط طلبا عدم ذكر اسميهما.
وقالت "شل" إن التقدم السريع جاء بعد نتائج واعدة من البئر الأولى. لكنها أشارت في بيان إلى أن الالتزامات المفروضة بموجب إجراءات مكافحة التغير المناخي تحتم عليها عدم المضي إلا في المشاريع التي لها "مسار يعول عليه يقود للتطوير المبكر، ولديها القدرة على التكيف والمنافسة سواء في حال انخفاض الأسعار أو ارتفاعها".
واستكملت شركة "توتال إنرجيز" أعمال التنقيب في بئر في حقل فينوس في مارس/ آذار ووصفته بأنه "كبير"، ومن المقرر أن تبدأ تنقيبا في بئر استكشافية في الربع الثالث.
وفيما يتعلق بناميبيا قالت "توتال إنرجيز" إنه ما زال عليها "أن تقرر إن كانت الكميات قابلة للاستخراج تجاريا.. (لكن) الاستثمارات تظل ضرورية لتلبية بالطلب".
وصرح مسؤول كبير في "شل" بعد أن طلب عدم ذكر اسمه بأنه يتوقع أن يتكلف الأمر نحو 11 مليار دولار لتطوير مناطق امتياز الشركتين.
وقد تؤدي تلك الاستكشافات لإنتاج نفطي يقدر بنحو نصف مليون برميل يوميا وفقا لتوقعات شركة "آي.إتش.إس ماركيت" للبيانات وتقديرات شركة "وود ماكينزي" لاستشارات الموارد الطبيعية.
النفاق الأوروبي!
يتوق القادة الأفارقة لإيرادات تقدر بالملايين يتوقعون أن تجلبها صفقات الغاز، إلا أنهم ينتقدون أيضاً هذا الاهتمام المفاجئ بمواردهم ويعتبرونه ازدواجاً في المعايير يبقي على استغلال الغرب للقارة.
ويتساءلون لماذا يجب على أفريقيا أن تتخلى عن استخدام الوقود، فتؤخر بذلك حصول مئات الملايين من سكانها على الكهرباء، فيما يُستخدم غازها لإبقاء أنوار أوروبا مضاءة.
هذا وقد ترددت الدول الغنية بتمويل خطوط الأنابيب ومعامل الكهرباء، التي من شأنها أن تسهّل استخدام الغاز في أفريقيا، بحجة الانبعاثات التي تنجم عن ذلك، ولم تف بوعود تمويل المشاريع الخضراء وهي مصدر طاقة بديل.
وبرز موقف أوروبا المحرج هذا في قمة مجموعة السبع في الشهر الماضي. حيث جددت الاقتصادات الأكثر تقدماً في العالم التزامها المناخي بوقف تمويل مشاريع الوقود الأحفوري في الخارج، إلا أنها ستمنح على الأرجح استثناءات للمشاريع التي تسمح بمزيد من شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى دولهم.
وفي تراجع آخر، صوّت المشرّعون في الاتحاد الأوروبي مؤخراً لصالح تصنيف مشاريع الغاز والطاقة النووية ضمن التكتل على أنها "استثمارات خضراء"، ما يفتح المجال أمام تمويل جديد بمليارات اليورو.
أثار هذا السلوك حفيظة القادة الأفارقة الذين يحتاجون إلى أي نوع من الوقود من أجل انتشال ملايين المواطنين من الفقر. إذ قال الرئيس النيجيري، "محمد بخاري": "نحن بحاجة إلى شراكة طويلة الأمد، وليس تضارباً وتناقضاً بشأن سياسة الطاقة الخضراء من طرف بريطانيا والاتحاد الأوروبي.. هذا لا يساعد أمن الطاقة لديهم ولا يساعد الاقتصاد النيجيري ولا يساعد البيئة. هذا نفاق ويجب أن ينتهي".
الجدير بالذكر أنه لدى نيجيريا 3% من احتياطات الغاز المثبتة في العالم، لكنها بالكاد استغلت أياً منه لصالح شعبها. فكما حال معظم الدول الأفريقية، يذهب معظم الغاز المستخرج إلى أوروبا التي تسعى اليوم لاستيراد مزيد منه لتعويض الإمدادات التي خسرتها بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.