الهيدروجين الأخضر... خطة بريطانيا للخروج من تحت رحمة الغاز الروسي

بعدما تيقنت من أن الاعتماد على الغاز المستورد سيعني التضحية بالكثير وسيعرّض سيادتها للخطر؛ تمضي بريطانيا قدماً في سياساتها لتكثيف صناعة الهيدروجين الأخضر الناشئة التي تستخدم الطاقة المتجددة، عسى ولعل أن تصل بهذه الصناعة إلى مرحلة تغنيها عن الوقود الأحفوري ومشتقاته.

وتهدف بريطانيا إلى استخدام أسطولها المتنامي من مزارع الرياح لإنتاج الهيدروجين اللازم لاستبدال الوقود الأحفوري في الصناعة والنقل وتوليد الطاقة.

وفي نفس الوقت، تبحث الدول في جميع أنحاء أوروبا عن سبل لتقليل استخدام الغاز، وبالتالي خفض الاعتماد على روسيا في المدى القصير، والحد من الانبعاثات الكربونية في المدى الطويل.

في هذا الصدد، يقول وزير الأعمال والطاقة في الحكومة البريطانية "كواسي كوارتنغ" في بيان حديث: "باستخدام الاستثمار المناسب، يمكننا إطلاق الإمكانات الهائلة للهيدروجين من خلال إعادة اقتصادنا إلى التصنيع وإنهاء اعتمادنا على الوقود الأحفوري باهظ التكلفة".

وقد جرى تخصيص مواقع تخزين الغاز المملوكة لشركتي "إس إس إي" (SSE Plc) و "سنتريكا" (Centrica Plc) لتحويلها إلى تخزين الهيدروجين في المستقبل.

ومن المحتمل إنتاج الوقود الهيدروجيني بالقرب مما يسمى بالتجمعات الصناعية للصناعات الثقيلة، كما ستُنشر تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه في هذه المناطق.

إضافة إلى التركيز على الهيدروجين، اختارت المملكة في وقت سابق "تيم بيك" الذي يطلق عليه "بطل الرياح البحرية"، والتقت بأكثر من 12 شركة لمناقشة استثمارات تكنولوجيا التقاط الكربون في أواخر يونيو الماضي.

حيث تعتمد جولة التمويل الجديدة على استراتيجية الهيدروجين الحكومية التي نُشرت العام الماضي، والتي من المفترض أن تتيح المجال أمام استثمارات بقيمة 9 مليارات جنيه إسترليني (10.8 مليار دولار أميركي).

ومن هذا المنطلق، تهدف الحكومة إلى نشر 1 غيغاوات من المحللات الكهربائية للهيدروجين الأخضر بحلول عام 2025، وهو هدف يتطلب اتخاذ إجراء قريباً.

وحتى تتمكن من تحفيز الاستثمار الضروري، أطلقت المملكة المتحدة 240 مليون جنيه إسترليني من صندوق الطاقة الهيدروجينية صافية الانبعاثات (Net Zero Hydrogen Fund) ونموذج عمل الهيدروجين (Hydrogen Business Model)، وهي آلية لدعم إيرادات منتجي الهيدروجين.

ما هو الهيدروجين الأخضر؟

من المعلوم أن الماء هو الناتج الثانوي الوحيد لعملية احتراق الهيدروجين، ولهذا ظل الهيدروجين، على مدى عقود، مثيرًا لفضول العلماء باعتباره مصدرًا للطاقة خاليًا من الكربون. إلا أن عملية إنتاج الهيدروجين التقليدية، التي تنطوي على تعريض الوقود الأحفوري للبخار، أبعد ما تكون عن الخلوِّ من الكربون. ويُطلق على الهيدروجين الناتج بهذه الطريقة الهيدروجين الرمادي، وفي حال عزل ثاني أكسيد الكربون عنه، يُعرف بالهيدروجين الأزرق، بحسب مجلة العلوم الأميركية.

أما الهيدروجين الأخضر فأمره مختلف؛ إذ يجري إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلاتٍ تعمل على تحليل الماء إلى عنصرَي الهيدروجين والأكسجين، دون أي نواتج ثانوية.

كان التحليل الكهربائي يتطلب، في المعتاد، استهلاك قدر كبيرٍ من الطاقة الكهربية، إلى الحدِّ الذي جعل من غير المعقول إنتاج الهيدروجين بتلك الطريقة. أما اليوم، فقد شهد الوضع تغيُّرًا يُعزى إلى سببين اثنين: أولهما تَوافُر فائض من الكهرباء المتجددة بكميات كبيرة في شبكات توزيع الكهرباء؛ فعوضًا عن تخزين الكهرباء الفائضة في مجموعات كبيرة من البطاريات، يمكن الاستعانة بها في عملية التحليل الكهربائي للماء، ومن ثم "تخزين" الكهرباء في صورة هيدروجين. وأما السبب الثاني فيرجع إلى ما تشهده آلات التحليل الكهربي من زيادةٍ في كفاءتها.

وتسعى الشركات سعيًا حثيثًا إلى تطوير آلات التحليل الكهربي التي بإمكانها إنتاج الهيدروجين الأخضر بالتكلفة ذاتها التي يُنتَج بها الهيدروجين الرمادي والأزرق، وهو الهدف الذي يتوقع المحللون أن تتمكن الشركات من تحقيقه في غضون السنوات العشر القادمة.

وفي الوقت نفسه، شرعت شركات الطاقة في الاستعانة بآلات التحليل الكهربي مباشرةً في مشروعات الطاقة المتجددة. فعلى سبيل المثال، ثمة ائتلاف من الشركات الراعية لمشروع يُسمى "جيجاستاك" Gigastack، يعتزم تزويد مزرعة الرياح البحرية "هورنزي تو" Hornsea Two، التابع لشركة "أورستد" Ørstedبمعدات تحليل كهربي تبلغ قدرتها 100 ميجاوات، من أجل توليد الهيدروجين الأخضر على نطاق صناعي.

رغم عدم إثارته الكثير من الضجة إلا أنه يفرض نفسه:

رغم عدم تسليط الضوء بشكل مكثف على هذه الطاقة المتجددة، إلا أن تسارع الاستثمارات في هذا القطاع تكشف عن المزيد من التطور.

ومن بين الجهود مبادرة Green Hydrogen Catapult، التي أسستها مجموعة الطاقة النظيفة السعودية أكوا باور، ومطور المشروع الأسترالي CWP Renewables، وعمالقة الطاقة الأوروبية Iberdrola وØrsted، فضلاً عن الشركة المصنعة لتوربينات الرياح الصينية Envision، ومجموعة الغاز الإيطالية Snam، وYara، منتج الأسمدة النرويجي.

وتهدف المبادرة إلى إنتاج 25 غيغاواط من الهيدروجين الأخضر - القابل للنقل بسهولة - بحلول عام 2026.

وقد يؤدي هذا الاختراق في النقل إلى دفع تكاليف الهيدروجين إلى أقل من دولارين / كغم، مما يجعله قادراً على المنافسة مع الوقود الأحفوري.