خلافات تجارية ما بين مصر والأردن تتحول إلى ما هو أشبه بحرب اقتصادية

فرضت الحكومة الأردنية رسوماً وإجراءات تقيد حركة انسياب السلع والمنتجات المصرية للأردن، وكذلك تجارة الترانزيت. وذلك في أعقاب فرض الجانب المصري إجراءات مماثلة على السلع الأردنية الموردة إلى أسواقه، والتشدد في تسجيل الأدوية وغيرها من السلع، وهو تراه عمّان قراراً غير مبرر.

وقد أثارت هذه المناوشات التجارية ردود أفعال متباينة بين القطاعين التجاري والصناعي الأردنيين، وسط تحذيرات من انعكاسات لاحقة على سلاسل توريد السلع مما يضر بتوافرها.

ما الذي يترتب على هذا القرار؟

بموجب القرار الأردني سيُفعَّل نظام التخليص المسبق ليشمل الدورة الإجرائية والرسوم المفروضة بنظام التسجيل المسبق للشاحنات المطبق لدى الجانب المصري.

كذلك ستخضع جميع السلع المصرية المارة ترانزيت عبر الأراضي الأردنية لإجراءات التسجيل المسبق، وكذلك وقف التعامل بمستندات التحصيل لدفع قيمة السلع المصرية إلى السوق الأردنية واستبداله بالاعتمادات المستندية.

وقد أكدت الحكومة الأردنية استعدادها لاتخاذ أي إجراءات ممكنة في إطار تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع البلدان الأخرى لحماية المنتجات المحلية. ويتضمن ذلك ممارسة الضغط لإزالة المعوّقات التي تواجه المنتجات الأردنية.

ردة فعل الأسواق الأردنية:

بينما يرحب القطاع الصناعي بالقرار ويصفه بالعادل لأنه يحقق مصلحة الصناعة الأردنية، إلّا أنّ القطاع التجاري يرى فيه إضراراً بمصالحه، وسيكون له انعكاسات سلبية على المدى القريب.

من السلبيات التي يجري الحديث عنها، هي احتمال حدوث نقص في السلع الموردة للسوق الأردنية، وخاصة التموينية، في ضوء تأثر سلاسل التوريد العالمية بأزمة كورونا وتداعياتها والحرب الروسية الأوكرانية.

في هذا الصدد يؤكد رئيس غرفة صناعة الأردن "فتحي الجغبير" لصحيفة "العربي الجديد" أنّ تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع مصر وأيّ جهة أخرى هو حق للأردن في حال فرض إجراءات على السلع الأردنية المصدرة إلى أسواقها.

ويشير "الجغبير" إلى أن الهدف هو حماية المنتجات المحلية والصناعة الوطنية التي تُسهم بنسبة 25% في الناتج المحلي الإجمالي، وتشغيل أعداد كبيرة من الأيدي العاملة، وتعزيز الاحتياطي من النقد الأجنبي، وتخفيض عجز الميزان التجاري وما إلى ذلك.

وأضاف: "كانت هناك محاولات سابقة ومتعددة لإزالة القيود المصرية المفروضة على السلع الأردنية ولم تكن هناك استجابة، ما استدعى اتخاذ القرار الذي ينطوي على مصلحة للاقتصاد الوطني ودعم القطاع الصناعي".

وأكد "الجغبير" ضرورة أن يطبق مثل هذا القرار على البلدان كافة التي تضع قيوداً على الصادرات الأردنية المتجهة إليها لحماية المنتجات المحلية وخدمة الاقتصاد الوطني.

في سبيل ماذا تخاطر الأردن بهذه المناوشات التجارية مع مصر؟

بدايةً، يشرح "الجغبير" في تصريحات صحفية سابقة أنّ الصناعة استحوذت على 94% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى الأردن خلال النصف الأول من 2022 والبالغة حوالي 150 مليون دولار. وأكد الأهمية الكبيرة للصناعة الوطنية، باعتبارها بوابة استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد الأردني.

وبيّن أنّ الاستثمارات الصناعية الجديدة وفرت أكثر من 7 آلاف فرصة عمل بشكل مباشر، لتشكل ما نسبته 72.2% من إجمالي فرص العمل المستحدثة من إجمالي الاستثمارات في الأردن، ليحتل القطاع المرتبة الأولى بين القطاعات الاقتصادية لناحية فرص العمل المستحدثة.

وفي المقابل، يرى رئيس غرفة تجارة الأردن "نائل الكباريتي"، أنّ القرار الصادر بشأن السلع المصرية ليس في مكانه وسيضر بالاقتصاد الأردني عموماً.

ويبرر "الكباريتي" رأيه، متهمًا القرار بأنه "لم يأتِ مدروساً ومراعياً لآثاره على تلبية احتياجات السوق من السلع"، في الوقت الذي حظرت فيه كثير من البلدان تصدير المواد التموينية، وسمحت مصر بتصدير العديد من السلع الغذائية للأردن.

وأكد ضرورة إعادة النظر بالقرار، لأنّ الأثر سيلحق بالقطاعات كافة، بما فيها الصناعي الذي يستورد العديد من مستلزمات ومدخلات الإنتاج من مصر.

الجدير بالذكر أن الأردن كانت قد ألغت، قبل حوالي 4 سنوات، اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، بعدما لاحظت زيادة كبيرة في الواردات من السلع التركية دون ارتفاع يذكر على الصادرات الأردنية.

وحاليًا فإن حجم التبادل التجاري بين الأردن ومصر بلغ العام الماضي حوالي 920 مليون دولار، إذ تميل الكفة للجانب المصري بصادرات تقدر بحوالي 700 مليون دولار تتوزع على سلع رئيسية من بينها الوقود والزيوت ومعدات ومواد غذائية وغيرها، فيما تنحصر صادرات الأردن لمصر في الأسمدة ومنتجات كيميائية وصيدلية.

ويعمل في الأردن أكثر من 900 ألف عامل مصري، بلغت قيمة تحويلاتهم إلى مصر العام الماضي حوالي 780 مليون دولار. ومع كلّ هذه الأرقام التي تصبّ في مصلحة الجانب المصري، إلّا أن الإجراءات المتبعة مع الصادرات الأردنية لا تهتم بتلك المصالح ومدى تأثرها في المستقبل.

ويرى الخبراء أن المتضررين كثر من كلا الجانبين المصري والأردني، سواء كانوا تجاراً أو صناعيين أو مزارعين أو مستهلكين. فجميعهم سيدفعون ثمن هذه القرارات التي تعوق العمل وتضع عراقيل أمام انسياب البضائع وإقامة الاستثمارات.