الركود التضخمي القادم... 3 شروط لوصول الشعوب العربية إلى بر الأمان

يحذر خبراء ومحللون اقتصاديون من مغبات وعواقب وخيمة على الدول العربية فيما يتعلق بتزايد مخاطر الركود التضخمي في العالم، مؤكدين أنه يجب مقابلتها بإجراءات مسبقة من جانب الدول العربية لتفادي الوقوع في هذه الحفرة المظلمة والعميقة.

يأتي ذلك بعدما أظهر مؤشر أسعار المستهلك التابع لوزارة العمل الأمريكية، يوم الأربعاء المنصرم، ارتفاع الأسعار بنسبة 9.1% خلال الـ 12 شهرا الماضية حتى نهاية حزيران/يونيو الماضي مقارنة بالعام السابق، بزيادة سنوية قدرها 8.6%، وهو أعلى معدل تضخم تسجله أمريكا منذ 40 عامًا.

ويحدث هذا التضخم بينما سترتفع معدلات الفائدة على الدولار بشكل مضطرد وبدون هوادة، مما يعزز الركود ويضعف الاستثمارات والأنشطة التجارية... ظاهريًا ينبغي أن يؤدي الغلاء لنقص الطلب وانخفاض الأسعار مؤقتًا حتى تعود الأمور إلى نصابها، لكن استمرار الركود وانخفاض الطلب مع تنامي التضخم سيودي بنا إلى الركود التضخمي.

وهنا يبرز السؤال التالي: "ماذا ينبغي على الدول العربية أن تفعل للنجاة من هذه العاصفة الاقتصادية العنيفة؟"

أولًا: تقليل فاتورة الاستيراد

ربط خبراء الاقتصاد تخفيف وطأة الركود في الدول العربية، بتقليل الفاتورة الاستيرادية والاعتماد على المنتج المحلي، وزيادة المعروض من السلع والمنتجات بالأسواق، وتوفير تمويلات محلية بديلة للاقتراض من الخارج، وإزالة القيود التجارية مع دول المنطقة، وإعادة النظر في السياسات النقدية.

وأكدوا، كما نقلت عنهم وكالة "إرم نيوز"، أن أي زيادات سعرية في الأسواق العالمية قد تنعكس على الدول العربية لاستيرادها أغلب المنتجات الغذائية ومستلزمات التصنيع من أسواقها.

ثانيًا: دعم المنتج المحلي وتوفير الإعفاءات الضريبية

يؤكد الخبير الاقتصادي ورئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين "محرم هلال"، أن الركود التضخمي جاء على إثر الأزمات التي مر بها الاقتصاد العالمي بداية من جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وما تلاها من ارتفاع معدلات التضخم.

ويشير الخبير في حديثه للوكالة ذاتها، إلى أن بعض الدول العربية ما زالت تمهد للعبور من الأزمات السابقة، وبالأخص ليبيا والجزائر وتونس ومصر، ومن الصعب تطبيق أي إجراءات حمائية لدعم اقتصادها.

وقال إن "توجه الدول نحو استبدال المنتجات المستوردة بأخرى مصنعة محليًا، يحافظ على النقد الأجنبي داخليًا، ويوفر فرص عمل جديدة في السوق جراء انتعاش حركة التصنيع، وبالتالي يكبح جماح البطالة لأطول فترة".

وتابع أن "دعم مدخلات الإنتاج أيضًا مثل الكهرباء والمواد البترولية والإعفاء الضريبي لعدد من القطاعات الاقتصادية، سيسهم في استقرار أسعار السلع، وبالتالي يحافظ على حركة القوى الشرائية في الأسواق".

وردًا على سؤالٍ بشأن دخول الدول مرحلة الركود التضخمي، أوضح الخبير الاقتصادي العراقي، "عبد الرحمن المشهداني" أنه "حتى الآن لا توجد بيانات صريحة تؤكد ذلك، وما يثار حاليًا هو استنتاج لما ستؤول إليه الأوضاع خلال الفترة المقبلة".

ثالثًا: التوقف عن الاقتراض

يرى المحلل الاقتصادي المصري "رشاد عبده"، أن توقف الدول العربية عن الاقتراض من المؤسسات الدولية والمطالبة بجدولة مديونياتها القديمة على فترات بعيدة، سيكون له مردود إيجابي على اقتصادها لعدم تحميل الميزانية أي أعباء جديدة.

ودعا "عبده" الدول العربية إلى مطالبة المجتمع الدولي بعدم فرض أي قيود على صادرات الغذاء والسلع الأولية، لأن ذلك يغذي التضخم ويزيد من مخاطر الركود“، وفقا لرأيه.

وفي المقابل، يؤكد الخبير الاقتصادي الأكاديمي الكويتي "عادل مناع"، أن الحل المتعارف عليه للتعامل مع الركود التضخمي هو التضحية بالنمو الاقتصادي برفع أسعار الفائدة وزيادة معدل البطالة، لأن القاعدة تقول إن "السوق يتعافى من البطالة أسرع مما يتعافى من ارتفاع الأسعار".

ويشير الخبير إلى أن المستهلكين في جميع الدول يُراقبون المستقبل بشكل جيد، وفي حال وجود ما يقلقهم سيتوقفون عن الشراء، وهذا مردوده وخيم على جل القطاعات الاقتصادية.

أما عن الرأي الآخر المعاكس لفكرة "مناع"، فهو أن رفع الفائدة سياسة مصممة على مقاس الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وهي لا تناسب الدول العربية التي تعاني من ضعف في الاستثمار والإنتاج أساسًا. فإذا كان رفع الفائدة في أمريكا سيزيد تكلفة الديون ويتسبب بتعسر الأعمال المزدهرة، فإن ما سيحدث في البلدان العربية هو انهيار المشاريع الناشئة والمتوسطة، مما سيكون له عواقب وخيمة على تطور البلد.

وحول استعدادات دول الخليج لمواجهة الركود التضخمي، أوضح المحلل الاقتصادي الإماراتي "حسين المشربك" أن ”زيادة أسعار المشتقات البترولية ضاعفت استفادة دول الخليج من الأزمات الأخيرة، وبالتالي سيكون التأثير عليها محدودا للغاية مقارنة بدول المنطقة“.

ودلل على كلامه بتوقعات صندوق النقد الدولي بنمو اقتصادات دول الخليج نهاية العام الجاري بمعدل 2.8 للسعودية، والإمارات العربية المتحدة بنسبة نمو 2.2%، في حين يتوقع أن ينمو اقتصاد سلطنة عمان بمعدل 2.5٪، والبحرين بنسبة 2.4%.