بعد تعادله مع الدولار... هل شراء اليورو آمن حاليًا أم أنه ينتظر هبوطًا أكبر؟

لم تتوقع الدول الأوروبية المتطورة صناعيًا واقتصاديًا والتي بنت لنفسها مكانةً لا تتزعزع بين اقتصادات العالم الكبرى، أن تصل إلى هذه المرحلة الحرجة. فما يحيط بأوروبا حاليًا ليس أزمة واحدة فحسب، بل إن التضخم والركود ومخاوف إمدادات الطاقة وعدم اليقين بسبب الحرب الأوكرانية، كلها عوامل دفعت بالقارة العجوز وعملتها إلى منحدرٍ عميق.

وباعتبار أن قرابة 50% من واردات هذه الدول مقومة بالدولار، فيحق للناس أن تسأل حاليًا: "هل يمكن أن نتوقع انهيارا أكبر لليورو في قادم الأيام، وما آفاق العملة الأوروبية في ظل هذا الوضع؟"

آفاق اليورو للمستقبل... هبوط أم تصحيح؟

يجيب الخبير الاقتصادي والمختص في العملة الدكتور "كميل الساري"، عن هذا السؤال قائلا: "أتوقع هبوط اليورو في الشهور المقبلة، لأننا في بداية أزمة إمدادات الغاز. فالدول الأوروبية حاليا لديها احتياطي كافٍ من الغاز لأننا في الصيف، لكن مع دخول الخريف والشتاء وتضاعف استهلاك الغاز، سيتأزم الوضع أكثر وبالتالي سيهبط اليورو أكثر. وهذا الارتفاع الكبير في النفط والغاز مضر للمستهلك الأوروبي، خاصة على الشركات الأوروبية، وهو ما يعزز التضخم ويفاقم الأزمة أكثر".

ويشدد الخبير، في حديثه لوكالة "الجزيرة"، على أن آفاق اليورو في المستقبل غامضة وسوداوية ما لم يتدخل البنك المركزي الأوروبي أو الفدرالي الأميركي. لأن قوة الدولار راجعة بالأساس إلى قوة تدخل البنك المركزي الأميركي، عكس البنك المركزي الأوروبي الذي لا يتدخل كثيرا في اليورو وبالتالي نجده يتعرض للمشاكل والهبوط.

فرص الاستثمار في أوروبا وشراء اليورو:

رغم التقلبات الكبيرة والضغوط التي تتعرض لها العملة الأوروبية، وتراجع نسبة النمو في منطقة اليورو، وارتفاع نسبة التضخم إلى مستويات قياسية لم تشهدها أوروبا منذ عقود، لم يتحرك البنك المركزي الأوروبي، الذي أعلن سابقا أنه سيجتمع يوم 21 يوليو/تموز الجاري، ولم يقم برفع سعر الفائدة منذ 11 عاما، أو اتخاذ إجراءات وقائية من شأنها أن تشجّع الاستثمارات الخارجية أو تقلل من نسبة التضخم.

وكان مصرف فرنسا المركزي اعتبر نهاية مايو/أيار أن ضعف اليورو قد يعرقل جهود البنك المركزي الأوروبي في السيطرة على التضخم.

وفي حين يرى مراقبون إمكانية أن يشكّل هبوط اليورو فرصة جيدة للاستثمار في أوروبا، استبعد المحلل والخبير الاقتصادي "دانيال ملحم" أن يكون هذا الهبوط لليورو هدفا لأي مستثمر وفرصة جيدة للاستثمار، لأن المناخ الاقتصادي يتجه إلى أجواء قاتمة وغامضة خاصة مع التهديدات الجدية بقطع الغاز عن أوروبا، وهذا برأيه يبشر بحالة كبيرة من الركود الاقتصادي، لأن البيئة غير آمنة وغير مشجعة على الاستثمار.

وهو نفس موقف "الساري"، الذي لاحظ أن المستثمر العالمي لا يختار الأسواق المتحولة والغامضة، لأنه يراقب أسعار العملات في البورصة، وإنما سيختار الاقتصادات القوية التي لها آفاقا مستقبلية واعدة، لأنه يفكر في الأرباح وفقا للمستقبل. وهذا ما ينطبق على سعر الدولار وعلى الاستقرار الذي يشهده الاقتصاد الأميركي وآفاقه الربحية الواعدة، ولا ينطبق على الاقتصاد الأوروبي المهتز والغامض نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.

الرابحون والخاسرون:

 لاحظ الخبير الاقتصادي "دانيال ملحم" أن:

  1. القطاعات والشركات التي نتج باليورو هي أول الرابحين، لأنها ستستفيد عمليا من التصدير إلى الخارج ومن انخفاض تكلفة التصدير.
  2. في حين ستتضرر القطاعات الصناعية التقليدية مثل صناعة السيارات والطائرات، لأنها تستورد المواد الأولية من الخارج وتدفع بالدولار.
  3. بشكل عام، فإن الاقتصاد الأوروبي سيخسر، لأنه عمليا مع انخفاض قيمة العملة سترتفع نسبة التضخم.

أما الخبير المختص في العملة "كميل الساري"، فأشار إلى أن:

الخاسر في أوروبا هي الشركات العاملة في قطاع الطاقة والتي تستعمل الوقود والغاز، لأن تكلفة المحروقات داخل سلسة الإنتاج تصبح مرتفعة، وخاصة الشركات البتروكيمائية، وهذا نراه يوميا في الواقع حيث تدفع هذه الشركات فاتورة مضاعفة لارتفاع أسعار الطاقة وللعقوبات الأوروبية على روسيا، وستكون هي أول كبش فداء.