ماهي حقيقة نظام الحوافز الذي أعطى للسوريين الأمل بزيادات مجزية تبلغ 200%؟
في فترة سابقة من العام الحالي 2022، ناقش مجلس الوزراء السوري، مشروعًا لمرسوم بخصوص معايير جديدة يتم تطبيقها على الرواتب والحوافز والعلاوات في سوريا، بما يتوافق مع "النظام النموذجي للتحفيز الوظيفي في الجهات العامة".
ومن العلاوات المطروحة في النظام الجديد، رفع الأسقف إلى 300% للأنشطة الإنتاجية و200% لخدمات الإنتاج، وبالتالي تم إلغاء ما كان يسمى بالعوائق الأساسية أمام أنظمة الحوافز وهي النسب المحدودة بالرواتب على مستوى الشهر وعلى مستوى العام بأكمله والنسب المرصودة بالموازنة العامة.
ومن الأهداف التي تدعي الحكومة إمكانية تحقيقها في النظام الجديد، أن يتم "رفع مستوى الإنتاجية وتحسين جودة الخدمات وخفض التكاليف وربط زيادة الدخل برفع معدلات الأداء". بالإضافة إلى "تحقيق العدالة من خلال توحيد نسب الحوافز الممنوحة لمجموعة النشاطات المتماثلة في الجهات العامة كافة والحفاظ على الموارد البشرية النوعية والمهارات واستقطاب وتوطين الموارد البشرية الكفؤة."
وأمام هذه العبارات الطنانة والكلام النموذجي المنمق، يجد المواطن السوري نفسه أمام أزمة معيشة خانقة، فاقدًا الأمل من الحصول على أي حلول مجدية يمكن أن تقدمها الحكومات المتعاقبة التي كان الفشل هو العامل المشترك الأكبر بينها.
نقاط الجدل والخلاف في ادعاءات الحكومة بخصوص نظام الحوافز الجديد:
بادئ ذي بدء يسأل الناس: "هل موضوع الحوافز، ورفعها إلى تلك النسب غير المسبوقة، يعني الإغلاق نهائيا لقضية زيادة الرواتب والأجور، أم أن هناك غايات أخرى؟"
وتبرز بعد ذلك القضية الشائكة الأخرى، فما مدى قدرة الخزينة العامة على تأمين الكتلة المالية المطلوبة لتطبيق تلك النسب من الحوافز؛ خاصة بعد أن تم زيادة طبيعة العمل لعدد من الجهات والاختصاصات دون غيرها؟!
وأخيرًا، فمن البديهي أن زيادة الحوافز ليست زيادة بالراتب، بل هي إجراء مقيد بعوامل وشروط محددة. ولا يحتاج الأمر إلى الكثير من الحنكة والخبرة لاستنتاج أن تطبيق هذا النظام بمثالية يتطلب عمل مؤسساتي وإحصائي من الطراز الرفيع يصعب تحقيقه حتى في الدول المتقدمة، فأنّى له السبيل لكي يطبق في سوريا؟!
مناقشة لمفهوم وإمكانية تطبيق نظام الحوافز:
تشمل الحوافز في مفهوم عالم العمل والوظيفة كل الأساليب المستخدمة لحثّ العاملين أو الموظفين على العمل المثمر، وأداء واجباتهم بجد وإخلاص، بالإضافة إلى تشجيعهم على بذل جهد زائد عن المعدل المتوقع للعمل، في سبيل زيادة الإنتاجية.
ومن بديهيات الأمر أن نظام الحوافز لن يكتب له النجاح والفعالية ما دام واقع العمل الوظيفي يقاس ويقارب على أساس الواسطة والمحسوبية، أي أن العامل الشخصي هو الذي ما يزال المتحكم بمن يجب أن يستحق الحافز ومن لا يستحقه، وهذا الواقع قائم ومترسخ بصورة لا يمكن إنكارها في سوريا.
وإذا افترضنا تجاوز كافة العقبات القانونية والتنفيذية، ليتم تطبيق نظام الحوافز بآلية تراعي الدقة والعدل، يتبقى أمامنا عقبة السيولة التي لا يمكن لمن يفهم أ-ب الوضع الاقتصادي في سوريا إنكارها.
في الواقع إن الحكومة السورية تعاني من أزمة سيولة خانقة، وهي تخاطر بتأجيج الركود التضخمي عن طريق خنق الأسواق، وتفتيت القدرة الشرائية للأموال في جيوب الناس، في سبيل الحفاظ على قيمة الليرة السورية من الانهيار؛ فلا يتصور أي عاقل أن عملات الدول الناشئة في المنطقة كلها تكابد ظروف قاسية وتعاني الأمرين، بينما أن الليرة السورية مستقرة نسبيًا... بالتأكيد فإن لذلك ثمن، ولا شك أن هذا الثمن الباهظ لن يمكن للاقتصاد السوري الاستمرار في دفعه للأبد.
لذلك فإن الحكومة تدرك جيدًا أن الضغط على الاقتصاد الهش، وتحميله نفقات ضخمة كزيادة تبلغ 100 أو 200 أو 300 بالمائة على رواتب عدد ضخم من الموظفين بشكل مفاجئ، سيعني كارثة أشبه بكارثة فنزويلا التي أصبحت عملتها أرخص من ثمن الأوراق المطبوعة عليها.