كيف ستنقذ دول الخليج شعوبها من التضخم وهل يمكن تطبيق ذلك في بلدان عربية أخرى؟

تعتبر دول الخليج من أقل الدول تأثرًا بموجة التضخم العالمية التي تسببت بأضرارٍ جسيمة لمنطقة الشرق الأوسط بشكلٍ خاص. بل حتى ولو عمدنا إلى مقارنة الخليج العربي مع دول أخرى تعتبر اقتصادات قوية ومتقدمة، قد نرى على الأغلب أن اقتصادات الخليج أكثر استقرارًا وأقل تضررًا بالأزمات المالية الحاصلة.

لا خلاف أن ذلك يعود بشكلٍ أو بآخر إلى ارتفاع أسعار النفط واستفادة دول الخليج من هذه الميزة بشكل كبير. لكن ذلك ليس السبب الوحيد، فحتى دول مثل إيران وفنزويلا والعراق، تعيش حالة شبه انهيار اقتصادي، على الرغم من أنها تقع على بحر من النفط.

لذلك فلا بد من الاهتمام بماهية السياسة الاقتصادية لهذه الدول التي نجحت بالصمود أمام التضخم... ولدراسة الأمر يمكننا أخذ السعودية والإمارات كأمثلة كفيلة بالتعبير عن منطقة الخليج عمومًا.

ماذا فعلت السعودية والإمارات لمواجهة التضخم؟

آخر ما تناقلته الأخبار في هذا الصدد أن السعودية والإمارات تحركتا لتعزيز برامج الدعم للمواطنين أمام تصاعد أسعار السلع عالمياً، بواقع 20 مليار ريال و14 مليار درهم على التوالي (أي بقيمة إجمالية نحو 9 مليارات دولار).

حيث أمر الملك "سلمان بن عبد العزيز آل سعود" بتخصيص دعم مالي بقيمة 20 مليار ريال لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار عالمياً، منها 10.4 مليارات ريال تحويلات نقدية مباشرة لدعم مستفيدي الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية، على أن تخصص بقية المبلغ لزيادة المخزونات الاستراتيجية للمواد الأساسية والتأكد من توفرها.

من جهتها ضاعفت الإمارات، مخصصات برنامج الدعم الاجتماعي الموجه إلى دعم المواطنين محدودي الدخل، مع إدخال بنود جديدة ضمن البرنامج، منها السكن والتعليم والبطالة، إضافة إلى علاوات بدل تضخم الوقود والغذاء والماء والكهرباء.

وبهذا الشكل ستجري في الإمارات "إعادة هيكلة "برنامج الدعم الاجتماعي ليصبح برنامجاً متكاملاً، مع مضاعفة المخصصات الموجهة إليه من 14 مليار درهم إلى 28 مليار درهم، كما أوردته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية.

تفاصيل خطة السعودية لمواجهة التضخم:

كان ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" قد شدد في وقت سابق على مراعاة المواطنين الأكثر حاجة بمواجهة ارتفاع الأسعار، وذلك خلال ترؤسه اجتماع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في قصر السلام بجدة.

كما تضمنت الإجراءات السعودية ما يلي:

  1. تخصيص 8 مليارات ريال دعماً مالياً إضافياً للمستفيدين من برنامج حساب المواطن لنهاية العام المالي الحالي وفق الضوابط المعلنة مسبقاً.
  2. تخصيص مليارَي ريال لصرف معاش إضافي لمرة واحدة لمستحقي الضمان الاجتماعي للعام المالي الحالي.
  3. إعادة فتح التسجيل ببرنامج حساب المواطن وفق الضوابط المعلنة مسبقاً.
  4. تخصيص 480 ملايين ريال دعماً مالياً لمستفيدي برنامج صغار مربي الماشية.

لكن ذلك لا يعني أن السعودية تفادت أضرار الأزمة العالمية بنسبة 100%، بل قد ارتفعت أسعار المستهلكين في السعودية بنسبة 2.2%، على أساس سنوي في مايو/ أيار، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء.

وشهدت أسعار المواد الغذائية والمشروبات، ذات التأثير الأكبر في التضخم نظراً إلى ثقل وزنها البالغ 18.8% من المؤشر العامّ، ارتفاعاً بنسبة 4.2% على أساس سنوي

تفاصيل خطة الإمارات لمواجهة التضخم:

في الإمارات العربية المتحدة، أُجري عدد من التعديلات على برنامج الدعم الاجتماعي، منها ما يلي:

  1. رفع مستوى الاستحقاق للأُسَر محدودة الدخل إلى 25 ألف درهم شهرياً حسب الحالة الاجتماعية.
  2. زيادة قيمة مخصصات الدعم الاجتماعي السنوي من 2.7 مليار درهم إلى 5 مليار ات درهم.
  3. مخصص سكن يتراوح بين 1500 و2500 درهم شهرياً.
  4. 4.      5000 درهم شهرياً مخصصة للعاطل عن العمل ممن تتجاوز سنه 45 عاماً.
  5. مخصص المتعطل الباحث عن العمل لمدة 6 أشهُر 5000 درهم شهرياً.
  6. علاوة المواد الغذائية تعادل 75% من قيمة التضخم في أسعار المواد الغذائية.
  7. دعم شهري للكهرباء بقيمة 50% للاستهلاك أقل من 4000 كيلووات.
  8. دعم شهري للمياه بقيمة 50% لاستهلاك أقل من 26 ألف غالون شهرياً.
  9. علاوة الوقود دعم شهري بقيمة 85% من زيادة سعر الوقود عن 2.1 درهم للتر.

جاء ذلك بعد أن رفعت الإمارات أسعار البنزين 5 مرات خلال عام 2022، ما زاد فجوة الأسعار مع منتجي النفط الآخرين في المنطقة الذين يدعمون الوقود، إذ قفزت تكلفة الوقود في الإمارات ثالث أكبر منتج للنفط في "أوبك" بنحو 80% منذ بداية العام وسط ارتفاع أسعار النفط.

هل يمكن تطبيق هذه السياسات ذاتها في بلدان عربية أخرى؟

في الواقع إن الشعوب العربية تتميز بأنها شعوب "غير عقيمة اقتصاديًا" إن جاز التعبير، أي أنها جاهزة دائمًا للتجارة والصناعة والعمل في حال توافر السيولة، إضافةً إلى امتلاكها يد عاملة قوية وكبيرة كفيلة بمنافسة دول "العمالة الرخيصة" كالصين.

لذلك فإن ضخ السيولة والدعم المدروس من قبل الحكومات سيكون له تأثيرات إيجابية حتمية، لكن الأمر لا يمكن أن يتم بشكل عشوائي، بل لا بد أن يكون ضمن إطار خطة اقتصادية محكمة ومدروسة جيدًا.

وهذا الأمر لا يمكن أن يتم تطبيقه في ظل السياسات الاقتصادية الحالية التي تعتمد على الاستهلاك وتبتعد عن الاكتفاء الذاتي، فتثقل كاهل البلاد والعباد بالمنتجات الأجنبية التي تمتص فائض القطع الأجنبي.

فإذا كان الخليج يحصل على سيولته من العملة الصعبة عن طريق مبيعات النفط الوفيرة ذات الثمن المرتفع، يمكن للبلاد العربية أيضًا الحصول على السيولة ذاتها عند استغلال السلع والموارد الخصبة في أراضيها، عن طريق تصديرها كمواد مصنعة بدلًا من أن تكون موادًا خام يشتريها البلد مرة أخرى من الدول المتقدمة بأسعار باهظة كسلع صناعية.