روسيا تصبح أول دولة تتخلف عن سداد ديونها عمدًا بالتاريخ... وزير ماليتها يهدد ويتهكم
مع انقضاء ليلة أمس باتت روسيا وللمرة الأولى منذ أكثر من قرن وتحديدًا منذ عام 1918 متخلفةً على سداد الديون والمستحقات الخارجية بالعملات الأجنبية.
حدث ذلك بعدما انتهت، أمس الأحد، فترة السماح لمدفوعات فائدة بحوالي 100 مليون دولار كانت تستحق في السابع والعشرين من مايو/ أيار، وهو يعد موعدًا نهائيًا للتخلف عن السداد.
وقالت وكالتا موديز وفيتش للتصنيف الائتماني، في وقت سابق، إن روسيا قد تواجه صعوبات في الأسابيع المقبلة، حيث انتهت صلاحية الترخيص العام الأمريكي الصادر من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في 25 مايو/ أيار، والذي يسمح باستلام حوالات مالية من البنك المركزي وصندوق الرفاه الوطني ووزارة المالية في روسيا.
وتوقعت وكالة موديز حينها، أن روسيا ربما تكون في حالة تخلف عن السداد في الأيام المقبلة، بعد أن حاولت دفع مستحقات سنداتها الدولارية بالروبل، بعد تنفيذ روسيا مدفوعات مستحقة في مطلع أبريل/ نيسان 2022 على اثنين من السندات السيادية بالروبل.
وقالت الوكالتان إن روسيا يمكن اعتبارها في حال تخلفها عن السداد أفلست إذا لم تتم التسوية بحلول نهاية فترة السماح، أو ألغت الخزانة الأمريكية التصريح الممنوح للبنوك الروسية.
روسيا لا تعترف أصلًا بتخلفها عن السداد:
قالت وزارة المالية الروسية، في بيانٍ يوم الخميس الماضي، إن موسكو أوفت بالتزاماتها بموجب سندات اليورو بوند المستحقة بمبلغ إجمالي قدره 12.51 مليار روبل، وتم سداد المدفوعات بالروبل.
وقالت الوزارة إن السداد جاء وفقًا لمرسوم رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 22 يونيو 2022 رقم 394 بشأن الإجراء المؤقت لتنفيذ التزامات ديون الدولة للاتحاد الروسي للمقيمين والدائنين الأجانب، المقومة بالأوراق المالية.
تهديدات ونبرة قاسية:
إلى جانب ذلك، رفض وزير المالية الروسي "أنطون سيلوانوف"، الوضع المتمثل بادعاءات تخلف روسيا عن السداد وإفلاسها ووصفه بأنه "مهزلة".
ومع استمرار تدفق مليارات الدولارات أسبوعيًا على خزائن الدولة من صادرات الطاقة، على الرغم من الصراع الطاحن في شرق أوكرانيا، كرر الوزير أن البلاد لديها الوسائل والإرادة للدفع.
وقال "سيلوانوف": "يمكن لأي شخص أن يعلن ما يحلو له، لكن أي شخص يفهم ما يجري يعرف أن هذا ليس تخلف افتراضياً بأي حال من الأحوال".
وفي الأساس، يرجع السبب وراء تخلف روسيا عن سداد ديونها، إلى أن وزارة الخزانة الأميركية سدت ثغرة كانت موجودة في العقوبات، مما أدى إلى إزالة الإعفاء الذي سمح لحاملي السندات الأميركية بتلقي مدفوعات من الدولة الروسية.
وبعد أسبوع، فرض الاتحاد الأوروبي أيضاً عقوبات على شركة المقاصة والتسوية الوطنية، وكيل الدفع الروسي.
ورداً على ذلك، قدم "فلاديمير بوتين" لوائح جديدة تنص على الوفاء بالتزامات روسيا بشأن سندات العملات الأجنبية بمجرد تحويل المبلغ المناسب بالروبل إلى وكيل الدفع المحلي.
ووفقاً لـ "سيلوانوف"، ليس من المنطقي أن يطلب الدائنون إعلان التخلف من خلال المحاكم لأن روسيا لم تتنازل عن حصانتها السيادية، ولن يكون لأي محكمة أجنبية اختصاص.
وقال مضيفًا: "إذا وصلنا في نهاية المطاف إلى النقطة التي تتم فيها المطالبة بالأصول الدبلوماسية، فإن هذا يعادل قطع العلاقات الدبلوماسية والدخول في صراع مباشر".
ثم أكد: "هذا من شأنه أن يضعنا في عالم مختلف بقواعد مختلفة تماماً، وسيتعين علينا التصرف بشكل مختلف في هذه الحالة، وليس من خلال القنوات القانونية".
إفلاس غير حقيقي!
بالنظر إلى الأضرار التي لحقت بالفعل بالاقتصاد الروسي والأسواق الروسية، فإن التخلف عن السداد هو رمزي وغير حقيقي، ولا يهم كثيراً الروس الذين يتعاملون مع تضخم من رقمين وأسوأ انكماش اقتصادي منذ سنوات.
وبينما كانت روسيا تحاول تغيير مسارها، أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستتحول إلى خدمة ديونها السيادية المستحقة البالغة 40 مليار دولار بالروبل، منتقدة "وضع القوة القاهرة" الذي وصفته بأنه "صناعة غربية مفتعلة".
من جانبه، قال "حسن مالك"، كبير المحللين السياديين في "لوميس سايلز آند كومباني"، إنه "أمر نادر للغاية، حيث يتم إجبار حكومة لديها الوسائل من قِبل حكومة خارجية على التخلف عن السداد.. سيكون حدثاً تاريخياً".
وعادةً ما يأتي الإعلان الرسمي من شركات التصنيف، غير أن العقوبات الأوروبية أدت إلى سحب تصنيفات الكيانات الروسية. ووفقاً لوثائق السندات التي انتهت فترة سماحها يوم الأحد، يمكن لـ 25% من حاملي السندات القائمة إعلان التخلف عن السداد.
الروبل يعيش أفضل أيامه:
بلغ الروبل الروسي ذروة ارتفاعه عند 52.3 روبل مقابل الدولار الواحد يوم الأربعاء الماضي. وهو أعلى مستوى له منذ مايو/ أيار 2015.
وتُعتبر هذه المستويات بعيدة عن المستويات التي وصل لها عند 139 مقابل الدولار في أوائل مارس/ آذار، عندما بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات غير مسبوقة على موسكو ردًا على حربها لأوكرانيا.
ويستشهد الكرملين بالارتفاع المذهل للروبل في الأشهر التالية باعتباره "دليلًا" على أن العقوبات الغربية لا تؤثر.
وقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي خلال منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي السنوي: "كانت الفكرة واضحة وهي سحق الاقتصاد الروسي بعنف..لم ينجحوا، ومن الواضح أن هذا لم يحدث ".