السودان يجمع متناقضين بشكل غريب... أزمة خبز شديدة وأطنان القمح متراكمة لا تجد من يشتريها

تجتمع المتناقضات في السودان بظاهرة أقرب لـ "الكوميديا السوداء"، حيث تتفاقم أزمة الخبز بالبلد الذي تتكدس فيه أكياس القمح في منازل المزارعين، بسبب الضائقة المالية التي تجعل الحكومة تقف عاجزةً عن شراء هذه المحاصيل.

في هذا الصدد، تنقل وكالة أنباء عالمية شهيرة، عن المزارع السوداني "عماد عبد الله"، قصة معاناته مع هذه الظاهرة الغريبة، لنجد أن الأمور تحدث كما يلي:

انتهى "عبد الله" من حصاد محصوله منذ آذار/ مارس، ووُعد بالحصول على 43,000 جنيه سوداني (75 دولارا)، للكيس زنة 100 كيلوغرام، وهو سعر تحفيزي حددته الحكومة للمزارعين لتشجيعهم على زراعة القمح.

وبعد أن تشجع "عبد الله" وزرع وتعب واجتهد، لم يحصل بالنهاية إلا على بضاعة كاسدة، فأكياس القمح لم تخرج مطلقًا من منزله الصغير الذي يقع قرب حقله في ”اللعوتة“ في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم.

ويقول المزارع السوداني البالغ من العمر 45 عاما: "مضى شهران منذ جمعت المحصول ولم يعد بإمكاني تخزينه في المنزل بعد الآن، إنه أمر يزعج عائلتي، كنا نمنح الحكومة المحصول كاملا، ولم نضطر أبدًا إلى إعادته إلى المنزل، خصوصا أن ليست لدينا مخازن مهيأة للاحتفاظ به".

ويشاطر عبد الله في محنته آلاف المزارعين السودانيين الذين يزرعون القمح كجزء من مشروع الجزيرة الزراعي وهو الأكبر نطاقا في السودان. إذ أسهم المشروع على مدى عقود في تغطية جزء من إجمالي احتياجات السودان من القمح البالغة 2.2 مليون طن سنويًا، لكن هذا العام، لم تستطع السلطات السودانية شراء كميات القمح الكاملة، تاركة المزارعين يتدافعون لإخلاء مخازنهم.

كيف وصل السودان إلى هذا الوضع المزري؟

يعاني السودان أزمة اقتصادية متفاقمة منذ نفذ قائد الجيش السوداني "عبد الفتاح البرهان" انقلابا عسكريا في الخامس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، أطاح فيه بشركائه المدنيين في السلطة بينما يمر السودان بفترة انتقالية بعد سقوط الرئيس السابق "عمر البشير" عام 2019.

ودفع الانقلاب حكومات الدول الغربية إلى قطع المساعدات المالية عن السودان، فأصبح البلد مفلسًا فقيرًا، رغم أراضيه الخصبة، وموارده الوفيرة.

علاوةً على ذلك، فإن روسيا وأوكرانيا تشكلان معًا المورد الرئيسي لنسبة تبلغ حوالي 70 - 80% من احتياجات السودان من الحبوب وبالأخص القمح، بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة العام الماضي.

وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) في آذار/ مارس، أن يغطي إنتاج القمح المحلي هذا العام ربع احتياجات القمح في السودان فقط.

وقالت وزارة المالية السودانية في وقت سابق هذا الشهر، إنها ملتزمة بتشكيل احتياطي إستراتيجي من القمح يصل إلى 300 ألف طن، إلا أن مسؤولا بالبنك الزراعي في ولاية الجزيرة فضل عدم الكشف عن اسمه قال إن "البنك ليست لديه أموال حتى يشتري القمح هذا العام".  وأضاف: "طلبنا أموالا من وزارة المالية وبنك السودان المركزي ولم نلق استجابة".

تهديدات للحكومة السودانية... اشتروا مننا القمح أو لن نزرعه مجددًا:

في الشهر الماضي، نظم العشرات من مزارعي القمح بالولاية الشمالية احتجاجًا خارج البنك الزراعي بعدما رفض استلام حصاد محاصيلهم.

ويقول المزارع "مضوي أحمد" بولاية الجزيرة من مخزن غلاله: "لقد زرعت القمح هذا الموسم على مساحة 16 فدانا وملأت 120 كيسا بكميات وصلت زنتها إلى 12 طنا"، مضيفا أن "البنك الزراعي وافق على شراء أقل من نصف الكمية التي أنتجها، بينما يخشى أن يفسد النصف الآخر قبل أن يجد زبائن له".

ويوضح الخبير الزراعي "عبد الكريم عمر" أن القمح يمكن أن يحتفظ بصلاحيته لمدة تصل إلى عام ونصف العام عند تخزينه في صوامع بشرط الحفاظ على درجة الحرارة والرطوبة، إلا أنه يمكن أن يفسد في أقل من ثلاثة أشهر، إذا كان مكان التخزين غير ملائم.

ويقول "عمر مرزوق"، محافظ مشروع الجزيرة: "يطالب المزارعون الحكومة بشراء القمح وإذا لم تستجب، لن يزرعوه مجددا". مضيفا أن توقف الحكومة عن شراء القمح كبّد المزارعين خسائر، خصوصا أن الأسعار المعروضة من التجار الراغبين في الشراء تكون متدنية.

ومع بدء موسم الزراعة الجديد، لم يتحمس المزارعون لتحضير أو حرث أراضيهم، إذ يؤكد مراقبون أن السودان "على أعتاب بداية موسم زراعة المحاصيل الصيفية ولا نشاهد تحضيرا للأراضي".

ويخشى مراقبون ومطلعون على الوضع في السودان، أي يؤدي إحجام المزارعين إلى إيصال الأمن الغذائي للشعب السوداني لمراحل كارثية، وسيكون الأمر مأساةً مثيرة للسخرية أن تصل السودان بكل أراضيها وغناها إلى المجاعة.

ويتعرض السودانيون سلفًا إلى موجة قاسية من ارتفاع الأسعار في الأشهر الأخيرة شملت الوقود والكهرباء والسلع الأساسية الأخرى. إذ بلغ معدل التضخم حوالي 200%، وحذرت الأمم المتحدة من أن أكثر من 18 مليون شخص، أي ما يقرب من نصف سكان السودان، سيعانون من الجوع الحاد بحلول أيلول/سبتمبر.