5 أمور تحدث حاليًا وتنذر بدخول البشرية عصر اقتصادي جديد يتغير فيه جُلّ ما عرفناه
كل تلك التغيرات السريعة والأزمات التي حدثت بلمح البصر في بنية الاقتصاد العالمي... هل هي صدفة، أم أنها تحضيرات لبناء نظام اقتصادي عالمي مختلف تمامًا عما عهدنا؟
الجواب على ذلك السؤال سيبقى غامضًا لفترة من الزمن؛ ولأن التخمينات والفرضيات لا تفيد، يتبقى أمامنا رصد التغيرات الفعلية التي تحدث على أرض الواقع، وهي تطرأ على أعمدة متينة قام عليها اقتصاد العالم لعقود، إذ تستعرض صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية الشهيرة أهمها فيما يلي:
أولًا: نهاية عصر التمويل الرخيص
هذا التغير الخطير يعد من بين التحولات الأولى التي ستشهدها الساحة العالمية؛ فبينما يلقي التضخم بظلاله على الاقتصاد العالمي بدأت الحكومات تطبيق سياسات التشديد النقدي.
في الاتجاه المقابل فإنه من غير الممكن أن ترتفع أسعار الفائدة الحقيقية على المدى البعيد إلى المستويات المسجلة خلال حقبة التضخم السابقة، لأن نسبة النمو الآن أضعف بكثير، فضلا عن أن ارتفاع معدلات شيخوخة السكان سيؤدي حتما إلى تقلص فرص الاستثمار، لكن ما هو مؤكد أن عصر أسعار الفائدة الصفرية قد ولّى.
ونبهت الصحيفة إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة ستدمّر الثروات مع تراجع أسعار الأصول عن التقييمات الحالية المتضخمة، وستفضح أوجه قصور الشركات والدول التي تراكمت ديونها، وسينتج عن ذلك حالات تخلف عن السداد وأزمات مالية تشمل الأسواق الناشئة بالدرجة الأولى.
ثانيًا: انتهاء صلاحية عصر العولمة
لطالما كانت العولمة المفرطة هي السمة أو الهوية البارزة للاقتصاد العالمي. لكن القوى المناهضة لهذا التوجه، كانت طوال العقد الماضي، تكتسب نفوذا متزايدا، وفي العقد القادم سنشهد حدوث مثل هذا التحوّل.
في الواقع إن العوامل الجيوسياسية تؤدي إلى انحياز كثير من الدول نحو النزعة الحمائية. وتساعد إستراتيجيات التحوط التي ستعتمدها كثير من الدول على تحقيق مزيد من الاكتفاء الذاتي في الغذاء والطاقة والأدوية الأساسية والموارد والتقنيات.
ملاحظة: الحمائية (protectionnisme) هي مذهب اقتصادي يرى ضرورة حماية الصناعة الوطنية بفرض تعريفة جمركية فعالة على المواد المستوردة لحماية الصناعات الوطنية من المنافسة الخارجية، وهي عكس العلمانية التي تشجع على الأسواق المفتوحة وتسهيل التجارة بين الدول.
لن يتراجع العالم في الواقع عن العولمة تمامًا، لأن بعض أنواع التجارة وخاصة الخدمات ستستمر في التوسع في بعض المناطق الغربية، لكن حجم وسرعة الاندماج الذي شهده العالم منذ نحو 25 عاما لن يعود.
ثالثًا: انتهاء التقارب الاقتصادي بين الدول
يتمثل التحول الثالث في انتهاء التقارب الاقتصادي بين الدول. فعلى مدى 3 عقود، كانت الدول الأكثر فقرا تحاول مواكبة مستويات المعيشة في الدول الأكثر ثراء، لكن هذه الديناميكية كانت مدفوعة في جزء كبير منها بالتمويل الرخيص والعولمة المفرطة.
ومع اقتراب نهاية حقبة هيمنة القوى العاملة الصينية والهندية على العمالة العالمية، سيعاني الاقتصاد العالمي من نقص في اليد العاملة وهذا بدوره سيعزز الضغوط التضخمية.
رابعًا: نهاية كذبة التعاون العالمي
كشفت الجائحة عن حالة الفوضى التي تميز النظام المتعدد الأطراف الذي وُضع بعد عام 1945. فعلى الرغم من أن التكاليف المالية لإنتاج اللقاحات وتوزيعها كانت ضئيلة جدا مقارنة بالفوائد المحتملة في إنقاذ الأرواح وتجنب الخسائر الاقتصادية، ولكن القوى والمؤسسات الكبرى أثبتت أنها غير قادرة حتى على التكفل بهذه المهمة
وأوضحت جائحة "كوفيد-19" أن منظمة التجارة العالمية كانت ضحية التنافس الجيوسياسي وعجز الغرب عن إيجاد وسائل لتوفير وظائف جيدة للعمال الذين خسروا وظائفهم عندما انقلب النظام الصناعي العالمي رأسا على عقب.
خامسًا: التنافس القوي بين الدول العظمى
من المحتمل أن نشهد في العصر الجديد تنافسا شديدا بين الولايات المتحدة والصين في المجالات الاقتصادية والأمنية بسبب التطورات المحلية في أكبر اقتصادين في العالم.
وتشهد الولايات المتحدة على الصعيد الداخلي حالة من الاستقطاب وأصبحت شريكا أقل جاذبية وغير موثوق به لدى البلدان الأخرى، في حين لم يعد الوصول إلى أسواقها وتوفير التمويل السخي جزءا من ترسانة سياستها الخارجية أو قوتها الناعمة. في غضون ذلك، أصبحت الصين تشكل تهديدا لجيرانها كما أن تحركات الرئيس الصيني شي جين بينغ بدّدت كل الآمال في أن تصبح الصين دولة غنية حقا أو منفتحة سياسيا.
ورغم قتامة هذه التحولات الخمسة هناك جانب مشرق، فانتهاء عصر العولمة بعيدا عن الصين من شأنه أن يخلق فرصا للدول الأخرى، وأن يعزز نمو اقتصادات أخرى مثل فيتنام وبنغلاديش وإندونيسيا وكذلك الدول النامية الأخرى، ومن ثمّ السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي للحد من نقص الغذاء العالمي.
وذلك ينبغي أن يشجع صانعي السياسات في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على التركيز على تعزيز الإنتاجية الزراعية ودخل المزارع، والسير على خطى كوريا الجنوبية وتايوان والصين قبل عقود.