لماذا ترفع الدول الفائدة عند رغبتها بمحاربة التضخم وما المنطق في هذه العملية؟

شهد العالم البارحة أعلى زيادة على نسب الفائدة في أمريكا منذ 28 عاما، بعد أن رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (الفيدرالي الأمريكي)، أسعار الفائدة على الأموال الاتحادية بمقدار 75 نقطة أساس مرة واحدة.

عند هذه الزيادة، استقرت أسعار الفائدة عند نطاق 1.50% - 1.75%، وسط توقعات بزيادات متوسطها 50 نقطة أساس لما تبقى من اجتماعات العام الجاري.

كل ذلك يأتي في سياق خطة الاحتياطي الفيدرالي، وهو البنك المركزي للولايات المتحدة، بهدف الحفاظ على استقرار الأسعار والحفاظ على معدلات البطالة منخفضة؛ إذ يتحرك البنك لمعالجة أكبر زيادة في الأسعار منذ أربعة عقود. لكن الكثيرين يخشون أن تكون جهودهم للحد من التضخم قد جاءت بعد فوات الأوان.

لكن لنا الحق أن نسأل عند هذه النقطة: "ما العلاقة بين الفائدة والتضخم، ولماذا يجب على العالم أن يتحمل سلبيات رفع الفائدة العديدة والمريرة في سبيل مكافحة التضخم؟".

كيف يمكن للفائدة المرتفعة أن تكبح التضخم؟

إن رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، الذي يسيطر عليه البنك المركزي، يجعل اقتراض الأموال أكثر تكلفة؛ وهذا له تأثير مباشر على أشياء مثل فواتير بطاقات الائتمان وقروض السيارات الجديدة والرهون العقارية.

على الرغم من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يحدد أسعار الفائدة هذه بنفسه؛ إلا أنه يحددها للبنوك التي تتعامل مع العملاء مباشرة.

هنا سيضطر العملاء من أفراد وشركات تجنب الاقتراض، وتجنب الاقتراض هو طريق إلى تجنب الاستهلاك، ونفس الأمر، فإن تجنب الاستهلاك يعني أن المنتجين سيراجعون حجم الإنتاج نزولا، وبالتالي تراجع على الأسعار، هذه هي المعادلة باختصار.

بمعنى آخر، من خلال رفع أسعار الفائدة، سيثني بنك الاحتياطي الفيدرالي المستهلكين عن القيام بعمليات شراء كبيرة ويجبر الناس على التراجع عن الإنفاق؛ الهدف هو خفض الطلب بمرور الوقت، والسماح للأسعار بالانخفاض والاستقرار.

باختصار، عندما لا تتمكن من الاقتراض، سيكون ذلك سبباً في تراجعك عن شراء سلعة أو خدمة ما، أو توسيع مشروع قائم أو فتح آخر جديد، وسيبطئ التوظيف، بالمحصلة ستكون السيولة النقدية أقل، والاستهلاك أقل.

الهدف من قرار رفع أسعار الفائدة، هو تخفيف السيولة النقدية داخل السوق لإبطاء الاستهلاك، وهي أولى الطرق لخفض التضخم في أي اقتصاد.

رفع الفائدة كذلك سيدفع باتجاه انتقال السيولة إلى البنوك على شكل ودائع، يحصل أصحابها مقابلها على فوائد مرتفعة من البنوك كأداة استثمار، وهنا ينجح البنك المركزي في سحب السيولة من الأسواق.

وهذا بالضبط ما يقوم به الفيدرالي الأميركي وبنك إنكلترا وقريباً البنك المركزي الأوروبي، كأبرز أدوات كبح جماح التضخم الذي أصاب الاقتصاد العالمي. 

لكن لا مناص من الاعتراف أن رفع الفائدة هو دواء لمرض تسببت به الاقتصادات الحديثة لنفسها، لأن النُظم الاقتصادية العالمية حاليًا قائمة على "وقود التضخم" أي أن أسعار السلع والعقارات والخدمات مؤهلة للاتجاه في طريق واحد على المدى البعيد وهو الصعود.

هذه الأنظمة الاقتصادية الناقصة والمَعيبة، تجد نفسها دائمًا أمام أزمات من هذا النوع، فتضطر لرفع الفائدة والتسبب بالركود الذي يقضي على آلاف الوظائف ويعزز نسب الفقر والجوع في الدول النامية والفقيرة على الرغم من توفر الموارد بشكل أكبر مما نتصور.

هل الركود نتيجة حتمية لرفع الفائدة؟

لا نقول إنه نتيجة حتمية، لكنه ممكن للغاية، بحسب ما أورده تقرير لصحيفة واشنطن بوست. إذ يأتي هدف الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في خفض التضخم مصحوبا بمخاطر كبيرة؛ فقد يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى إبطاء النمو كثيرا وبسرعة كبيرة، مما يؤدي بالبلاد إلى الركود.

أقر محافظو البنوك المركزية بأن خفض الأسعار يتطلب توازناً دقيقاً؛ سيكون الحصول على المعدلات والأسعار والنمو بشكل صحيح بمثابة "هبوط ناعم"، وهو الهدف المعلن للاحتياطي الفيدرالي. 

لكن تباطؤ الاقتصاد أكثر من اللازم والتسبب في ركود حاد قد يؤدي إلى تسريح العمال؛ هذا جزء مما حدث في المرة الأخيرة التي كان فيها التضخم عالياً كما هو الآن، في أوائل الثمانينيات.

حينها، شدد بنك الاحتياطي الفيدرالي المعروض النقدي بقوة للسيطرة على زيادات الأسعار، وصلت أسعار الفائدة في النهاية إلى ما يقرب من 20%، وبلغ معدل البطالة ما يقرب من 11%. 

في ذلك الوقت، تراجع التضخم، لكن الركود كان في ذلك الوقت هو الأسوأ منذ الكساد الكبير حتى الأزمة المالية في وقت سابق من هذا القرن.