كنز اللبنانيين الغني بالنفط والغاز... قصة حقل كاريش وأسباب الصراع عليه من الألف للياء
منذ بداية تاريخ البلاد ونشأتها، يعاني لبنان على مستوى ترسيم حدوده برًا وبحرًا. لكن حالة عدائه مع إسرائيل عمقت أزمة ترسيم حدوده البحرية مع فلسطين المحتلة، فأضحى صراعا على ثروة غازية ونفطية لم يستفد لبنان منها يوما.
وأول ملامحها، بدأت عام 2002 حين كلفت حكومة لبنان مركزا بريطانيا لإعداد دراسة حول كيفية ترسيم حدود المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وتاليا المسح جيولوجيا عن النفط والغاز بهذه المنطقة قبل أن يصطدم بعدم توفر خرائط بحرية دقيقة للمنطقة الفاصلة بين جنوب لبنان وشمالي فلسطين المحتلة.
وعام 2009، حددت حكومة رئيس الحكومة الأسبق "فؤاد السنيورة" الحدود بالخط 23، ثم ثبتت حكومة الرئيس "نجيب ميقاتي" عام 2011 النقطة كحق للبنان لدى الأمم المتحدة، وقدرت بـ 860 كيلومترا مربعا عبر مرسوم يحمل رقم 6433.
ولأول مرة، انطلقت مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي برأس الناقورة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، واستمرت 5 جولات حتى مايو/أيار 2021، وأهم أسباب تعليقها إبراز الجانب اللبناني خرائط جديدة لإثبات حق لبنان حتى الخط 29 التي تتضمن حقل كاريش كمنطقة متنازع عليها، وهي غنية بالنفط والغاز.
وفي أبريل/نيسان 2021، رفض الرئيس "عون" توقيع مرسوم يزيد من المساحة التي يطالب بها لبنان، بعد إحالته من رئيس الحكومة السابق "حسان دياب" خلال فترة تصريف الأعمال، واعتبرت أطراف سياسية أن فريق "عون" السياسي يسعى لاستخدام ترسيم الحدود ورقة مقايضة مع واشنطن.
ماذا يحدث حاليًا؟
برز تطور خطير بدأه الإسرائيليون حين استقدموا سفينة يونانية لوحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه "إنرجان" إلى حقل كاريش اللبناني الذي يذخر بالنفط والغاز.
وعلى الفور، تتابعت المواقف اللبنانية الغاضبة للتنديد بخطوة تل أبيب، واصفةً إياها بالاستفزازية والمهددة لمستقبل المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود، وتعديا على ثروة لبنان الغازية والنفطية.
واجتمع أهالي لبنان في هذا الصدد على صوتٍ واحد رافض لخطوة إسرائيل، لكن الأخيرة تملك أوراق قوةٍ تتجاوز استنادها لدعم واشنطن مستفيدة من تشتت الموقف السياسي في بيروت وغياب الحكومة القادرة على تمثيل موقف اللبنانيين ككيان واحد أمام المحافل الدولية.
وفي هذه الأثناء، يقف المسؤولون في لبنان أمام امتحانٍ جديدٍ عنوانه "حقل كاريش" النفطي وسط مخاوفٍ شعبية جدية من التنازل عن جزءٍ كبيرٍ من ثروة وطنية لا تزال كامنة في البحر اللبناني، كما أهدروا بسياساتهم وممارساتهم المال العام، في ظلّ ما يتردّد عن صفقةٍ ثلاثية إسرائيلية – أميركية - لبنانية تعدّ على "نيران هادئة".
يأتي ذلك في ظل إبقاء الجهات اللبنانية الرسمية السلاح التفاوضي الأقوى بالنسبة اليها، ألا وهو المرسوم 6433 بتعديلاته، في أدراجها، والاستعاضة عنه في الوقت الراهن بدعوة الوسيط الأميركي "آموس هوكشتاين" حامل الجنسية الإسرائيلية، الذي سبق أن كان عنصراً في جيش الاحتلال، إلى بيروت بهدف متابعة المفاوضات.
تتجلى أهمية الأمر أن هذه التطورات تأتي بينما يرزح الشعب اللبناني تحت أسوأ ازمة اقتصادية في تاريخ البلاد، فإذا وضعت إسرائيل يدها على هذا المورد الهام في عصر عطش أو جنون الطاقة، سيكون الأمر كمن يسحب اللقمة من فم الفقير.
وفي هذا السياق، يرفع المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود "عصام خليفة" الصوت عالياً، مُحذِّراً من تخلّي المسؤولين عن ثروة لبنان وشعبه الغازية والنفطية التي تقدَّر بمليارات الدولارات وتعدّ السبيل شبه الوحيد لخروج البلاد من أزمتها الاقتصادية الكارثية.
ويتطرق "خليفة" في حديثه مع صحيفة "العربي الجديد" إلى دراسة أوردتها مجلة أميركية علمية "U.S Geologial Survey" تقول إن حوض المتوسط الشرقي يوجد فيه 1.7 بليون برميل نفط و122 ترليون قدم مكعبة من الغاز، ما يعدّ بمثابة أكبر اكتشاف نفطي في العالم منذ عقود.
سيناريوهات تطور الصراع:
يعتبر الباحث والكاتب السياسي "أمين قمورية" أن لبنان سيكون أمام سيناريوهات عدة، أهمها:
- عودة المطالبة بالخط 29 وتعديل المرسوم، مما قد ينسف المفاوضات في ظل رفض إسرائيل التنازل عن حقل كاريش مدعومة بموقف واشنطن.
- سعي لبنان الرسمي لاستقدام عرض آخر لا يذهب إلى الخط 29 ولا يبقيه عند الخط 23، خصوصا بعد اتهام السلطات داخليا بالتفريط بالثروة البحرية.
- إبقاء المرسوم كما هو واستئناف التفاوض على خط 23، مقابل حصول لبنان على تقديمات أخرى في ظل ربط مصير ترسيم الحدود بملفات عالقة للبنان، بدءا من مصير العقوبات الأميركية على كيانات وشخصيات لبنانية وصولا لمصير مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي.