أسعار باهظة للغاية للسيارات المستعملة في سوريا رغم أن كل المعطيات تستدعي انخفاضها
لا تحتاج أسعار السلع والمنتجات في سوريا إلى مبرر منطقي عند ارتفاعها، فقد اعتاد الناس أن الغلاء المستمر هو الحالة الطبيعية لأي شيء تقريبًا. لكن الغريب حقًا عندما ترتفع أسعار بعض المنتجات رغم توافر كافة الأسباب التي تستدعي عكس ذلك، كما يحدث في قطاع السيارات، حيث تجد سيارة مستعملة منذ نحو خمسين عاماً يبلغ ثمنها عشرات الملايين.
ويستغرب البعض قائلًا: "أنّى لأسعار السيارات أن ترتفع، في بلد يصعب الحصول فيه على ليتر بنزين، أو مكان توقف فيه سيارتك، إضافة إلى ارتفاع أسعار الصيانة بشكل كبير؟!".
لماذا ترتفع أسعار السيارات رغم توفر كافة أسباب انخفاضها؟
يقول أحد أصحاب مكاتب السيارات، مفضلًا عدم ذكر اسمه، أن أسباب ارتفاع أسعار السيارات لا تزال مجهولة وغريبة بالنسبة له، وخاصة أن كل المعطيات تستدعي انخفاض الأسعار، فمثلاً ارتفاع سعر البنزين يجب أن يؤدي إلى زيادة مصروف السيارة وبالتالي انخفاض سعرها، ولكن ما يحدث اليوم أنه حتى لو انقطع البنزين وتوقّفت كل السيارات عن العمل نجد أن الأسعار ستستمر في الارتفاع.
وأشار في حديثه مع صحيفة محلية، إلى أن ارتفاع الأسعار المبالغ به أدى إلى جمودٍ كبير في حركة الأسواق واستحالة الشراء من فئة كبيرة من المواطنين، فمثلاً يصل سعر سيارة "كيا ريو" الأكثر شهرة في الشوارع، إلى "أسعارٍ خيالية" تقدّر بـ 75 مليون ليرة، وسط فوضى في التسعير من دون وجود ضوابط في السوق.
وعبر عن أمله بأن يكون قرار السماح باستيراد مكونات السيارات سبباً في انخفاض الأسعار خلال الفترة المقبلة، شريطة أن تستمر شركات تجميع السيارات بطرح سياراتٍ جديدة في الأسواق وألّا تكتفي بدفعة واحدة فقط كما حصل في عام 2018، حين تم تجميع سيارات جديدة كان سعرها مناسباً نوعاً ما مثل سيارات "كيا سيراتو، سبورتاج، بيكانتو" ولكن لم يتم طرح دفعاتٍ أخرى فارتفعت أسعارها إلى الضعف.
نموذج عن أسعار السيارات المستعملة:
أكد "محمد الروماني" وهو صاحب مكتب سيارات أيضاً، أن غلاء أسعار السيارات مستمر وسط جمود في السوق، فمثلاً يتراوح سعر سيارة "كيا ريو" بين 50-65 مليون ليرة. أما "السابا القديمة" فيصل سعرها إلى 25 مليون ليرة.
في حين وصل سعر سيارات "السيراتو" و"الهونداي أفانتي" إلى 75 مليون ليرة، لافتاً إلى زيادة الطلب على السيارات ذات الصناعة الكورية لانخفاض أسعار قطعها وتوافرها في الأسواق.
وأشار "الروماني" إلى أن أكثر السيارات طلباً هي السيارات المستعملة، لأن أسعار السيارات الجديدة مرتفعة جداً، معتبراً أن ارتفاع سعر البنزين ليس سبباً بعزوف المواطنين عن شراء السيارات، لأن وجود السيارة يعد "أفضل بمئات المرات" من التكاسي والمواصلات التي باتت أجورها هائلة.
أما "أبو أسامة" فقد أشار إلى أن القرار الذي صدر قبل عدّة أيام حول السماح باستيراد قطع السيارات لتجميعها، أدى إلى ثبات أسعار السيارات من دون ارتفاع أو انخفاض، وجمود كبير في حركة الشراء. لافتاً إلى أن أكثر السيارات المطلوبة عادة هي السيارات ذات المحركات الصغيرة التي لا يتجاوز سعرها الـ 50 مليون ليرة.
التفسير الوحيد لارتفاع أسعار السيارات في الأسواق السورية:
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور "علاء الأصفري"، أن أسباب ارتفاع أسعار السيارات ترجع بالأساس إلى ثلاثة عوامل:
أولها التضخم الحاصل، حيث يرتفع سعر كل السلع عند انخفاض قيمة الليرة السورية في الدول التي تقارن عملاتها بعملات أخرى كالدولار مثلاً بما في ذلك أسعار السيارات، فعندما يكون سعر سيارة ما 20 ألف دولار ويكون سعر صرف الدولار 2000 ليرة، سيصل سعر السيارة إلى 40 مليون ليرة، وسيتضاعف سعرها إلى 80 مليون ليرة، عندما يكون سعر صرف الدولار 4000 ليرة كما هي الحال اليوم في السوق السوداء.
أما العامل الثاني فهو منع استيراد السيارات بشكل نهائي، ما يؤدي إلى قلة العرض أمام زيادة الطلب وذلك وفق قانون العرض والطلب. معتبراً أن زيادة الطلب على السيارات تعد حاجة طبيعية في المجتمعات، وخاصة بوجود ضغط كبير على المواصلات العامة، إذ يوجد الكثير من الأشخاص يشترون سياراتٍ صغيرة للوصول إلى وظائفهم وخاصة بالنسبة لسكان ضواحي العاصمة الذين يتكبدون تكاليف تصل إلى 10 آلاف ليرة للتنقل يومياً، إضافة إلى هدر ساعات يومياً لانتظار وسيلة نقل.
وأضاف: "أما العامل الثالث فهو تزايد عدد الأشخاص الذين أصبحوا يعملون في تجارة السيارات في ظل البطالة المقنّعة ما أدى إلى حدوث مضاربات كبيرة في تجارة السيارات، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار".
وحول ارتفاع أسعار السيارات القديمة التي يعود تاريخ صنعها إلى ما قبل عام 2000، يرى "الأصفري" أن ذلك يعود إلى ندرة المعروض بسبب منع الاستيراد وبالتالي عدم تنسيق السيارات القديمة، إضافة إلى أن قطع تبديل هذه السيارات أرخص بشكل عام من قطع تبديل السيارات الحديثة التي تعد تكلفتها عالية جداً تفوق قدرة صاحب السيارة على الإصلاح.