شرارة حرب قد تبدأ في لبنان... التعدي على حقل كاريش الغني بالنفط يشعل غضبًا شعبيًا عارمًا
في إحدى أكثر المناطق سخونة، وعلى طول المنطقة البحرية المتنازع عليها بين إسرائيل ولبنان، برز تطور خطير بدأه الإسرائيليون حين استقدموا سفينة يونانية لوحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه "إنرجان" إلى حقل كاريش اللبناني الذي يذخر بالنفط والغاز.
وعلى الفور، تتابعت المواقف اللبنانية الغاضبة للتنديد بخطوة تل أبيب، واصفةً إياها بالاستفزازية والمهددة لمستقبل المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود، وتعديا على ثروة لبنان الغازية والنفطية.
واجتمع أهالي لبنان في هذا الصدد على صوتٍ واحد رافض لخطوة إسرائيل، لكن الأخيرة تملك أوراق قوةٍ تتجاوز استنادها لدعم واشنطن مستفيدة من تشتت الموقف السياسي في بيروت وغياب الحكومة القادرة على تمثيل موقف اللبنانيين ككيان واحد أمام المحافل الدولية.
يأتي ذلك في ظل إبقاء الجهات اللبنانية الرسمية السلاح التفاوضي الأقوى بالنسبة اليها، ألا وهو المرسوم 6433 بتعديلاته، في أدراجها، والاستعاضة عنه في الوقت الراهن بدعوة الوسيط الأميركي "آموس هوكشتاين" حامل الجنسية الإسرائيلية، الذي سبق أن كان عنصراً في جيش الاحتلال، إلى بيروت بهدف متابعة المفاوضات.
إلى أي مدى يعتبر هذا الصراع مهمًا للشعب اللبناني؟
تتجلى أهمية الأمر أن هذه التطورات تأتي بينما يرزح الشعب اللبناني تحت أسوأ ازمة اقتصادية في تاريخ البلاد، فإذا وضعت إسرائيل يدها على هذا المورد الهام في عصر عطش أو جنون الطاقة، سيكون الأمر كمن يسحب اللقمة من فم الفقير.
وفي هذا السياق، يرفع المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود "عصام خليفة" الصوت عالياً، مُحذِّراً من تخلّي المسؤولين عن ثروة لبنان وشعبه الغازية والنفطية التي تقدَّر بمليارات الدولارات وتعدّ السبيل شبه الوحيد لخروج البلاد من أزمتها الاقتصادية الكارثية.
ويتطرق خليفة في حديثه مع صحيفة "العربي الجديد" إلى دراسة أوردتها مجلة أميركية علمية "U.S Geologial Survey" تقول إن حوض المتوسط الشرقي يوجد فيه 1.7 بليون برميل نفط و122 ترليون قدم مكعبة من الغاز، ما يعدّ بمثابة أكبر اكتشاف نفطي في العالم منذ عقود.
ويشير إلى أن استمرار المسار الصامت للسلطات يعني تخلي لبنان عن حقوقه الوطنية وخسارته ثروة بمئات مليارات الدولارات، هذا من دون الحديث عن حقل قانا الذي يتخطى حجمه حقل كاريش بمرتين ونصف والاحتلال الإسرائيلي يريد مشاركة لبنان به.
ويضيف الباحث: "إذا قسمنا هذه الثروة على المناطق الاقتصادية الخالصة لقبرص وإسرائيل وسورية ولبنان، لأمكننا أن نستنتج أن الثروة التقريبية للبنان لا تقل عن 1725 مليار دولار، ومن النفط أيضاً مبالغ لا تقل عن ذلك، في حال أخذ ثلث مردوده من الغاز ومن الشركات المشغلة".
ويلفت المؤرخ اللبناني إلى أن لبنان سبق أن خسر 2277 كيلومتراً مربعاً من ثروته الوطنية، وذلك حين أخطأت الحكومة اللبنانية في تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص عام 2007، عدا عن مطالبة سورية بـ 750 كيلومتراً مربعاً في شمال المنطقة الاقتصادية الخالصة.
ثم يشير "خليفة" إلى أن سياسة لبنان النفطية دائماً ما كانت خاطئة وتهدر ثروته الطبيعية في البحر والبرّ ولا تستغل هذه الموارد. ويقول: "لدينا مصفاة مثلاً في طرابلس، شمالي لبنان، كانت تصدر عام 1936 5/3 استهلاك فرنسا من النفط، ولا يصار إلى صيانتها أو تجهيزها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مصفاة الزهراني جنوباً، في حين يستمر المسؤولون بالخضوع لكارتيلات احتكارية من الشركات التي تتحكم بسوق النفط والغاز، التي تسرق وتنهب وتضع فيولاً مغشوشاً في معامل الكهرباء لتدميرها، وتُوزّع الأرباح بين السياسيين".
ويلفت إلى أن "ذلك كله في وقت يعاني الشعب اللبناني من أسوأ أزمة اقتصادية وتلهبه أسعار المحروقات التي تخطت ارقاماً قياسية وفاقمت كارثته، خصوصاً أن لها انعكاسات سريعة على الكثير من القطاعات والخدمات والحاجات الأساسية".
ويتوقف "خليفة" عند ما نقل عن وسائل إعلام إسرائيلية أن "إسرائيل اقترحت على لبنان ضخ الغاز وتقاسم الأرباح معه"، ليعتبر ذلك بمثابة اعتراف من قبل الاحتلال بأن وضعه غير قانوني وأن حدود لبنان بالخط 29 الذي يبدأ من رأس الناقورة.
إسرائيل تستعد للسيناريو العنيف:
أمام هذه التطورات ورغم تخاذل ساسة لبنان تستعد إسرائيل لاشتعال شرارة الحرب. إذ قالت هيئة البث الإسرائيلية إن سلاح البحرية يستعد لاحتمال تعرض منصة الغاز "كاريش" عند حدود لبنان البحرية لهجوم، وإنه سيقوم بنقل نسخة بحرية من نظام القبة الحديدية إلى المنطقة.
وأضافت الهيئة أن سلاح البحرية سيؤمن المنصة العائمة بواسطة القطع البحرية فوق وتحت البحر بما في ذلك الغواصات وستكون جاهزة للرد.