العراق يبحث عن مستثمر غير صيني لأجل نفطه الوفير وأوروبا العطشى للطاقة تتقدم

يمتلك العراق وهو ثاني دولة في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، احتياطيات ضخمة من النفط؛ وللدلالة على ذلك يكفي القول إنه خلال السنوات العشر الماضية شكّلت إيرادات النفط وحدها 99 بالمائة من إجمالي صادرات العراق و85 بالمائة من الموازنة العامة للبلاد.

وتخطط الحكومة العراقية مؤخرًا لتصدير 8 ملايين برميل نهاية العام 2027، لكن ذلك يتطلب طيفًا واسعًا من الاستثمارات المتعددة التي لا يمكن أن ترى الضوء بدون التعامل مع مستهلكي النفط الغرب، وبالتحديد الأوروبيون المتعطشون للطاقة.

لكن الواقع أن أسواق النفط العراقية محتكرة من قبل اللاعب الصيني، إذ تعد الصين وحدها من أكبر المشترين للخام العراقي، حيث تمكنت الشركات الحكومية الصينية من إنشاء وضع مهيمن بقطاع النفط العراقي، وهو ما تسبب بقلق لدى حكومة بغداد، التي تخشى من تحول قطاعها النفطي إلى الصينيين، وما يعنيه ذلك، في ظل المنافسة الحامية بين واشنطن وبكين.

وحين أدركت الحكومة العراقية أن الاحتكار الصيني لن يكون بصالحها، وأن خسارة الزبون الغربي ستكون خسارة كبيرة، وضعت حدًّا فيما يتعلق بالمزيد من الاستثمارات الصينية في حقولها النفطية الكبرى، حيث أبدت تحفظها على رغبة شركات صينية بشراء مزيدٍ من الحصص داخل السوق النفطية، وعملت بدلًا من ذلك على إجراء مباحثات لتنويع المستثمرين في مجال الطاقة والنفط

وأحبطت وزارة النفط العراقية، العام الماضي، ثلاث صفقات كان من شأنها إعطاء شركات صينية سيطرة أكبر على حقول النفط بالعراق، والتسبب في نزوح جماعي لشركات نفط عالمية كبرى تريدها بغداد أن تستثمر في اقتصادها، وفقًا لـ"رويترز".

هل تروي العراق العطش الأوروبي للطاقة؟

بعدما كانت شركات النفط الكبرى تتسابق على دخول حقول النفط العراقية الضخمة مع نهاية عام 2003، يقول مسؤولون تنفيذيون إن تركيزها يزداد على التحول إلى أنواع طاقة بديلة وصفقات أكثر ربحية في مناطق أخرى، كما أنها تريد شروطًا أفضل من أجل تطوير حقول النفط، حسب "رويترز".

لكن الغرب يبحث - مع استمرار أزمة النفط الروسي - عن جميع السبل الممكنة لتعزيز إمدادات النفط، حيث فتح الباب لإمكانية أن يلعب العراق دورًا رئيسيًّا في هذا المجال.

في الوقت ذاته، فإن قضية مغادرة بعض الشركات الغربية للعراق خلال السنوات السابقة، بسبب المخاوف بشأن البيئة الاستثمارية للبلاد، تسلط الضوء على بعض التحديات في تحقيق استثمارات أعلى في حقول النفط العراقية.

وبخصوص أحدث التطورات في هذا الملف، فقد أجرى وزير النفط العراقي "إحسان عبد الجبار إسماعيل"، مباحثات عديدة في فرنسا وبريطانيا مؤخرًا، في محاولة لتأمين المزيد من الاستثمارات في قطاعات النفط والطاقة.

وأعلن الوزير أن بلاده عرضت على شركتي "بريتش بتروليوم" البريطانية و"توتال" الفرنسية خططًا جديدة للاستثمار في قطاعات النفط والغاز والطاقة النظيفة.

وقال الوزير العراقي: "لقد بحثنا في باريس مع الرئيس التنفيذي لشركة توتال باتريك بويانييه برامج وفرص العمل والتعاون المشترك في تنفيذ مشروعات قطاع النفط والطاقة، والاتفاق على توقيتات تنفيذ عدد من المشروعات المشتركة، التي تتضمن مشروع استثمار الغاز المصاحب في عدد من الحقول النفطية في جنوب العراق، ومشروع الطاقة الشمسية، ومشروع تطوير حقل أرطاوي وزيادة الإنتاج، ومشروع نقل ماء البحر لدعم عمليات إدامة وزيادة الإنتاج في الحقول النفطية".

ويرى مختصون أن تعدد الشركات العاملة واختلاف جنسياتها، دليل على أن العراق ما زال يستقطب الشركات العالمية للاستثمار والشراكة معها.

في السياق ذاته، يرى عضو لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي "علي عبدالستار" أن "فرنسا كان يُفترض بها دخول السوق النفطية العراقية منذ مدة، كما حصل مع الشركات الأخرى الأميركية والصينية وغيرها".

وأكد "عبد الستار"، في تصريحاتٍ أدلى بها لوكالة إعلامية عربية شهيرة، أن "هناك تسابقًا دوليًّا للعمل في العراق، وهذا حق مشروع لكل الشركات، ونأمل أن تأخذ فرنسا وغيرها فرصتها الحقيقية للعمل في العراق وحقوله،" معتبرًا أن "العراق سيبقى بيئة جاذبة للاستثمار، والباب مفتوح لكل الشركات الراغبة بالعمل بما يخدم العراق وشعبه".

قضية إقليم كردستان الغني بالنفط:

في خضم المنافسات الاستثمارية الجديدة، اتخذت بغداد إجراءات لاستعادة سيادتها على إدارة نفطها في نزاع مع حكومة إقليم كردستان شمال العراق، التي رفضت تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العليا القاضي بإلغاء قانون النفط للعام 2007 في الإقليم شبه المستقل.

وحذرت وزارة النفط العراقية مؤخرًا شركات النفط الدولية الكبرى التي تنشط في إقليم كردستان العراق من التعاقد مع حكومة الإقليم، بينما ستقوم بغداد بمراجعة تلك العقود مع استعادة السيطرة على كامل حقول النفط في الشمال.

وكان وزير النفط العراقي أعلن أن بلاده ماضية في خططها لرفع الطاقة الإنتاجية للنفط الخام إلى ثمانية ملايين برميل يوميًّا بنهاية عام 2027، بالتعاون مع الشركات الأجنبية العاملة في العراق.