تاجر الأزمة أو التاجر الجشع... هكذا تصنعه الحكومة السورية ثم تزعم محاربته

إن الغلاء والتضخم وما يرافقهما من فساد واحتكار في سوريا، هما من أكثر المواضيع التي أخذت نصيبًا كبيرًا من الجدال والتفصيل والأخذ والرد، وغالبًا ما ينتهي هذا الجدال بأن يتم وضع الكرة في ملعب التاجر الفاسد أو الجشع أولًا، ثم لوم الحكومة بعدم ردعه كما ينبغي أو التواطؤ معه ثانيًا.

لكن هذه المعادلة المكررة لا تعطي الصورة كاملة، فالبعض – في خضم ذلك – يتساءل عن سبب استمرار الحكومة في الحديث عن الاحتكار والتهريب وتجار الأزمة وكيف أنهم سببوا التضخم وبنوا ثرواتهم على أنقاض جيوب الفقراء المهترئة، بينما لا تقوم الجهات المسؤولة منذ سنوات، ومهما تغيرت الشخصيات والمناصب، بأي تحركات فعالة أو خطوات جدية لمواجهة هذه الظاهرة.

الاستنتاج الذي وصل له بعض المتسائلين، أن الحكومة بحاجة تجار الأزمة، بل وتعتبرهم عنصرًا وجوديًا في بنية الدولة، لأن غيابهم سيعني ببساطة غياب الشخصية الشريرة التي يجب أن يُلقى عليها اللوم ويُصب عليها جام غضب الشعب في هذا السيناريو الضعيف.

في الواقع إن الأمر لا يتعلق بالتغاضي عن وجود تجار الأزمة والتجار الجشعين فحسب، بل إنه يتعلق بصناعتهم (تحويل التاجر العادي إلى تاجر أزمة). فالدولة تصنع التاجر الجشع الذي يهتم بأن يكسب أكبر مبلغ مالي ممكن اليوم لأنه قد يغرق في خسائره غدًا عندما: لا توفر مناخ مالي آمن، ولا تنتهج سياسة تسعير صحيحة أو منطقية، وتجعل الجميع يترقب منها في أي لحظة "قرار أهوج غير مدروس".

ولو أردنا مثالًا على ذلك، سيكون من المفيد الاستشهاد بكلام التاجر "ياسر كريم"، الذي أكد في تصريحاتٍ لصحيفة محلية، أن تكاليف المحروقات والكهرباء والنقل زادت 5% تقريباً على سعر السلعة. معتبرًا أن ذلك "أمر يجب لحظه بنشرات الأسعار التي تصدرها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فمن غير المعقول أن تكون المصاريف اليومية 7%، وتحدد الوزارة الربح 6%."

واشتكى "كريم" من غياب السرعة والمرونة في إصدار تسعيرات الوزارة، التي يجب أن تتوافق مع المتغيرات السريعة، خاصة ما يتعلق بالمشتقات النفطية، وارتفاع الأسعار العالمية.

كما يجب اعتماد المصاريف الحقيقية، وهو أمر يطلبه التجار دائماً، فهناك محال صغيرة أو بقاليات مصاريفها بسيطة جداً، لا يمكن أن تقارن بسوبر ماركت أو مول وتعامل بالتسعيرة ذاتها، فالأصح اعتماد تكاليف المشتقات النفطية والكهرباء والنقل والتكاليف اليومية ضمن الأسعار.

واعتبر "كريم" أن عدم الأخذ بهذه التكاليف كلها من قبل الوزارة تسبب بضعف الالتزام بالتسعير، فالتاجر لا يعمل “ببلاش”، ويريد أن يربح ليستثمر، موضحاً أن التكاليف الخارجية للمواد المستوردة يجب أن تكون دقيقة وكاملة أيضاً، ولا “نختبئ خلف إصبعنا”.

وذلك يتم بحسب رأي "كريم" عبر احتساب تكلفة الشحن والنقل، وسعر الصرف الصحيح، وسعر المواد عالمياً.

ورأى التاجر أن مشكلة الأسعار لم تظهر إلا بعد انخفاض الدخل، إذ يفترض توجّه الحكومة لوضع استراتيجيات ودراسات جديدة لرفع مستوى المعيشة، ما يحرّك الأسواق، وبذلك تكون الوسيلة الأفضل لخفض الأسعار.

وعن تأمين المواد الغذائية في ظل تزايد صعوبات الشحن ووفرة المواد، بيّن "كريم" أن بعض الدول توقفت عن التصدير للحفاظ على مخازينها الاستراتيجية خلال الأزمة الحالية، ما سبب نقصاً وارتفاعاً بالأسعار، كما أن أسعار الشحن آخذة بالارتفاع تدريجياً، مشيراً إلى نقص في مخازين المواد الأساسية في السوق المحلية يفترض ترميمه، وزيادة العرض حتى لا يلجأ البعض لتخزين المواد، أو يستغل بعض ضعاف النفوس من التجار قلتها لرفع أسعارها واحتكارها.