أمريكا تغزو سوق الوقود الهيدروجيني وتضخ مليارات الدولارات في هذه الصناعة
تسعى أمريكا مؤخرًا لتوجيه عدد من ولاياتها الرئيسية مثل ”كاليفورنيا وتكساس وكولورادو“ لتصبح مراكز عالمية ضخمة لإنتاج وقود الهيدروجين، كخطوة لتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة، بالتزامن مع توقعات بتوسع حجم هذا السوق ليصل إلى نحو تريليون دولار في المستقبل.
وفي إطار هذه السياسة، بدأ الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في شباط/فبراير الماضي، خطة لتزويد ولايات مختلفة بمبلغ 8 مليارات دولار لإنتاج ومعالجة وتخزين الهيدروجين.
وباشرت الجهات المعنية في الولايات المتحدة تطبيق الخطة في أيار/مايو الحالي، إذ يعمل قسم الطاقة الأمريكي على اتخاذ القرار في تحديد المكان الأنسب للتطبيق.
ويُستخدم معظم الهيدروجين المنتج في الولايات المتحدة في العمليات الصناعية، مثل تكرير النفط وتصنيع أسمدة الأمونيا، فضلا عن توليد الطاقة المتجددة، وفقا لموقع ”بوبيولار ساينس“.
إلى أي درجة تعتمد الولايات المتحدة على الطاقة الهيدروجينية؟
يتنامى الاهتمام بالطاقة الهيدروجينية طوال الأعوام الفائتة، ولكن الولايات المتحدة لا تولد كثيرا منها حتى الآن. فعلى سبيل المثال تنتج مولدات الكهرباء المعتمدة على الوقود الهيدروجيني 260 ميغاواط، بينما تولد الطاقة الشمسية 121 غيغاواط، مع ذلك يُستخدم الوقود الهيدروجيني في تزويد السيارات الكهربائية الجديدة بالطاقة.
لكن ذلك لا يعني أن مجال الطاقة الهيدروجينية مُحيد أو خارج نطاق الاهتمام، حيث قال البروفيسور "جيكوب ليتشمان" في جامعة ”واشنطن ستيت“، إن ”خلايا الطاقة الهيدروجينية شائعة أكثر مما نتصور“.
وأضاف "ليتشمان" أن ”33% من الخضار الموجودة في الولايات المتحدة، تُنقل بوساطة آليات تعمل بالوقود الهيدروجيني، وتستخدم خلاياها بكثرة في الأعمال اللوجستية ونقل البضائع“.
ويمكن استخدام الهيدروجين بأساليب عدة، منها تخزين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في حالات قلة توليدها للطاقة، من خلال استخدام الطاقة النظيفة لتحليل المياه كهربائيا، وإنتاج الوقود الهيدروجيني لتوليد الكهرباء. ويمكن أيضا حرق الهيدروجين في منشآت الطاقة لتوليد الكهرباء، ما يحتاج لخلطه مع الغاز الطبيعي.
وبغض النظر عن الولايات المتحدة، يجري حاليا تطوير منشآت للطاقة تعمل فقط على الهيدروجين في أوروبا وغيرها.
ويشكل مركز الهيدروجين الأمريكي منطقة لإنتاجه، ما يسمح بزيادة عدد الوظائف وتوفيره للعديد من الاستعمالات، إذ تعمل عدة ولايات مؤخرًا من أجل تحقيق ذلك، والتنافس على التمويل اللازم.
وكانت ولاية تكساس بدأت إنتاج الهيدروجين في منطقة هيوستن، وتعمل ولايات أخرى عديدة على إنشاء محطات إقليمية لتوليد الهيدروجين.
ويفيد التوجه الجديد الرامي إلى تعزيز الاعتماد على الطاقة الهيدروجينية، في توفير المصادر اللازمة لتوليد الطاقة والاستخدامات الأخرى، ما يؤدي إلى نتائج عديدة في مجالات الخدمات والبضائع والطاقة والوظائف.
وسبق أن كشفت شركة ”غرين هيدروجين إنترناشيونال“ الأمريكية، في آذار/مارس 2022، عن خطة لبناء أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، باستطاعة تصل إلى 60 غيغاواط، في ولاية تكساس. إذ تأمل الشركة تصدّر قائمة المنتجين للهيدروجين الأخضر، لينتج مصنعها 2.5 مليار كيلوغرام كل عام.
وذكرت الشركة في موقعها على الإنترنت أن أعمال التطوير جارية في 7 مشاريع بإنتاج إجمالي يصل إلى 1 تيراواط.
ويتوقع الخبراء أن الوقود الهيدروجيني سيصبح منافسًا قويًا للنفط والغاز في المستقبل، لأنه صديق للبيئة ومستدام ومتوفر بدون شروط ويتماشى مع تطلعات العلماء بخصوص مصدر الطاقة المثالي. لكن التحديات حاليًا تتركز على أمور مثل تكاليف وتقنيات الإنتاج.
أنواع الوقود الهيدروجيني وكيفية إنتاجه:
من المعلوم أن الماء هو الناتج الثانوي الوحيد لعملية احتراق الهيدروجين، ولهذا ظل الهيدروجين، على مدى عقود، مثيرًا لفضول العلماء باعتباره مصدرًا للطاقة خاليًا من الكربون. إلا أن عملية إنتاج الهيدروجين التقليدية، التي تنطوي على تعريض الوقود الأحفوري للبخار، أبعد ما تكون عن الخلوِّ من الكربون. ويُطلق على الهيدروجين الناتج بهذه الطريقة الهيدروجين الرمادي، وفي حال عزل ثاني أكسيد الكربون عنه، يُعرف بالهيدروجين الأزرق، بحسب مجلة العلوم الأميركية.
أما الهيدروجين الأخضر فأمره مختلف؛ إذ يجري إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلاتٍ تعمل على تحليل الماء إلى عنصرَي الهيدروجين والأكسجين، دون أي نواتج ثانوية. وكان التحليل الكهربائي يتطلب، في المعتاد، استهلاك قدر كبيرٍ من الطاقة الكهربية، إلى الحدِّ الذي جعل من غير المعقول إنتاج الهيدروجين بتلك الطريقة. أما اليوم، فقد شهد الوضع تغيُّرًا يُعزى إلى سببين اثنين: أولهما تَوافُر فائض من الكهرباء المتجددة بكميات كبيرة في شبكات توزيع الكهرباء؛ فعوضًا عن تخزين الكهرباء الفائضة في مجموعات كبيرة من البطاريات، يمكن الاستعانة بها في عملية التحليل الكهربائي للماء، ومن ثم "تخزين" الكهرباء في صورة هيدروجين. وأما السبب الثاني فيرجع إلى ما تشهده آلات التحليل الكهربي من زيادةٍ في كفاءتها.
وتسعى الشركات سعيًا حثيثًا إلى تطوير آلات التحليل الكهربي التي بإمكانها إنتاج الهيدروجين الأخضر بالتكلفة ذاتها التي يُنتَج بها الهيدروجين الرمادي والأزرق، وهو الهدف الذي يتوقع المحللون أن تتمكن الشركات من تحقيقه في غضون السنوات العشر القادمة.
وفي الوقت نفسه، شرعت شركات الطاقة في الاستعانة بآلات التحليل الكهربي مباشرةً في مشروعات الطاقة المتجددة. فعلى سبيل المثال، ثمة ائتلاف من الشركات الراعية لمشروع يُسمى "جيجاستاك" Gigastack، يعتزم تزويد مزرعة الرياح البحرية "هورنزي تو" Hornsea Two، التابع لشركة "أورستد" Ørstedبمعدات تحليل كهربي تبلغ قدرتها 100 ميجاوات، من أجل توليد الهيدروجين الأخضر على نطاق صناعي.