حرب حكومية باردة ضد الصناعيين السوريين... تعسير متعمد لعملهم بدون مبرر
اشتكى "تيسير دركلت"، رئيس منطقة العرقوب الصناعية في حلب، من صعوبة التصدير الشديدة التي يواجهونها في ظل الإجراءات والتعقيدات الحكومية المتبعة، من تحويل الأموال، وتوثيق العقود، والكفالات. ويحدث ذلك بينما أن الصناعة السورية في أشد الحاجة للدعم، وميزان الصادرات السوري لا تكفيه الصادرات الغذائية التي تهدد أمن الشعب الغذائي.
وذكر "دركلت"، أن التصدير قبل الأزمة كان يتم إلى 24 دولة، أما اليوم فالصادرات لا تكاد تذكر، معتبرًا المشكلة موجودة لدى الحكومة التي تستمع إلى هموم ومشكلات الصناعيين ورغم أنهم يقدمون مجموعة حلول مع المشكلة التي يطرحونها، إلا أن الاستجابة تكاد تكون معدومة.
وإذا أردنا اختصار تعامل الحكومة مع الصناعيين وأرباب الإنتاج في الوقت الحالي، فهي تطبق المثل السوري الشهير (أذن من طين وأذن من عجين).
وتباع "دركلت": "الجميع يعلم أن للحكومة اعتبارات أخرى، لكن إذا أخذنا مقياس إدارة الملف الاقتصادي بالنتائج، فالإدارة سيئة جداً."
الحكومة تتعمد تجاهل مطالب الصناعيين وتهميشهم:
اتهم "دركلت" الحكومة بأنها تركت الصناعيين يواجهون قدرهم، واعتبرتهم طرفاً آخر، فلا تتعاون معهم إلا عبر الوعود، لكن الوضع على الأرض مختلف، موضحًا: "طالبنا كصناعيين بإعطائنا مدخلات إنتاج بسعر مقبول حتى نعطي منتجات مصنعة بسعر مقبول، ومواد أولية بصفر جمارك حتى نقوم برفع قيمة هذه المنتجات وتصنيعها وتشغيل عمالة، وكان الرد أنهم سيدرسون هذه الطلبات، وبعد فترة يصدر قرار بتخفيض الجمارك إلى واحد بالمئة باستثناء 100 نوع مثل الحديد والبيلت والكروم وغيرها الكثير، وتصل جماركها مع الضريبة إلى 30 بالمئة".
ثم اشتكى من ارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات وخلق سوق سوداء لمادة المازوت، متسائلًا: "في مثل هذه الظروف كيف سنقدم منتجات منافسة؟".
وتابع دركلت: "وصلنا إلى مرحلة من اليأس لدرجة أننا لا نفكر بتطوير منتجاتنا أو أسلوب عملنا، بل بالسؤال من أين سنؤمن موادنا ومحروقاتنا، والحكومة لديها علم بأدق التفاصيل".
وأضاف: "إذا أرادت الحكومة مكافحة التهريب، فعليها مكافحته بالقرارات وليس بالدوريات، إذا كان بإمكان الصناعي تأمين مواده الأولية بسعر مقبول فلماذا سيشتري مواد مهربة ومنها التركية التي تغزو الأسواق؟".
وإضافة إلى ما سبق، تأتي الصعوبات التي تواجه الصناعي المصدر في تمويل المستوردات وتحويل الأموال إلى الخارج، والعقبات الروتينية في التخليص الجمركي والجمارك، وحالياً هناك مواد تم إيقاف استيرادها وستفقد من الأسواق.
وفي هذا الصدد شرح "دركلت" قائلًا: "يجب اتخاذ قرارات استثنائية لأننا في وضع استثنائي، ومنها موضوع حيازة القطع الأجنبي، فمثلاً أنا عضو في غرف الصناعة والتجارة واتحاد المصدرين، لكن عندي خوف وشعور بالخطر إذا قمت بجلب أموال بضائع بعتها خارج سورية، لأن هناك من تمت محاسبته على حيازة القطع الأجنبي."
وحول إمكانية عودة الصناعيين المغتربين بيّن "دركلت" أنه في ظل انعدام وجود الكهرباء والغاز والبنزين لن يعود أحد، لأن بوصلة المستثمر أرباحه ومصلحته، وحين يرى أن الوضع قد تغير سيعود تلقائياً.
بيئة مصممة خصيصًا لإفشال الصناعة:
يرى الصناعي والمخترع المهندس "غياث عبد السلام"، أن المواد تكلف ضعف ثمنها (مالياً وشحناً وضرائب)، وجميع مقاسات المواد الأولية مفقودة في البلد، ولا توجد بضاعة تخدم الصناعة فلا صاج ولا كروم ولا مسننات ولا نحاس، وإذا وجدت فسعرها غال، وهذا سبب من أسباب ارتفاع أسعار المنتجات.
وبالنسبة للتصدير، بين "عبد السلام" أنه لم يعد بمقدور الصناعي التصدير والمنافسة، فعادةً ما يكون 80 بالمئة من الإنتاج موجه للخارج، أما اليوم 99 بالمئة إلى الداخل، فالشحن مكلف جداً، وهناك عراقيل ولا هامش للربح والزبون يتردد في شراء الآلة ولا إمكانية للتصنيع وإعادة التصدير لأن المعدات سعرها غال خارج البلد وغير قادرة على المنافسة.
ويرى "عبد السلام" أن الحل يكون بتقديم إجراءات ميسرة للمستورد، واستحداث ختم ليزري خاص بالجمارك على الآلات، حتى يستطيع الصناعي نقلها إلى المحافظات والمستودع وبيعها بحرية، بحيث ينهي ختم الجمارك أي جدل مع الدوريات.
وأشار إلى أن تكلفة شحن المتر المربع إلى مرفأ بيروت 750 ألف ليرة، في حين يكلف إلى سورية 6 ملايين ليرة سورية، أي آلة حجمها 4 أمتار يدفع عليها 24 مليون ليرة ثمن شحن وتخليص وهذه المشكلة سببها وزارة الاقتصاد.