إلى أين تتجه أوروبا بعد تراجع اليورو إلى حوالي دولار واستيقاظ وحش التضخم؟

لا خلاف أن الاقتصادات الأوروبية هي الآن في ورطة حقيقية، بسبب الكلفة الضخمة للحرب الروسية على أوكرانيا التي تبناها الحليف الأوروبي.

في الاتحاد الأوروبي حاليًا، وبينما يرتفع الدولار إلى أعلى مستوياته منذ العام 2002، يتراجع اليورو إلى قرابة دولار واحد في وقت لا يستطيع فيه البنك المركزي الأوروبي رفع سعر الفائدة المصرفية خوفاً من الوقوع في حفرة التضخم.

وبالحديث عن التضخم، فحسب بيانات "يورو ستات"، قد بلغ معدل التضخم في منطقة اليورو 7.5%، وهو أعلى معدل تشهده أوروبا على الإطلاق.

ويرى الخبراء أن هذا الوضع هو غاية في الخطورة بالنسبة للاقتصادات الأوروبية التي لم تتعاف تمامًا بعد، من جائحة كورونا أولًا، ولم تنس أزمة ديون اليورو التي ضربتها في العقد الماضي وأدت إلى إفلاس اليونان وكادت أن تفلس العديد من البنوك ثانيًا.

ولا يستبعد محللون أن يقود ضعف الاقتصادات الأوروبية إلى هروب الاستثمارات من دول الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بسبب البحث عن العوائد في العملات القوية وعلى رأسها الدولار.

ويضاف إلى عامل تراجع سعر صرف اليورو، عامل عدم اليقين في المستقبل الذي يتفاعل مع الحرب الروسية الشرسة الرامية لاحتلال أوكرانيا أو على الأقل أجزاء منها وطموحات الرئيس "فلاديمير بوتين" في التوسع الجغرافي في دول أوروبا الشرقية.

أوروبا لم تعد المكان المثالي للعمل والاستثمار:

ترفع هذه التفاعلات الجيوسياسية الكبيرة من مخاطر المستثمرين الأجانب في أدوات الدين الأوروبية وعلى رأسها السندات السيادية التي تعتمد عليها الحكومات في تمويل الإنفاق بالميزانيات.

ويلاحظ أن الحرب الروسية في أوكرانيا رفعت كذلك من ميزانيات الدفاع في دول المجموعة الأوروبية، وتخطط ألمانيا لتحديث جيشها بنحو تريليون دولار.

كل ذلك زلزل من مكانة أوروبا الاقتصادية التاريخية، ولم تعد "يوتوبيا المستثمرين" كما كانت بالنسبة للبعض في الماضي.

اليورو إلى أين؟

بسبب تلك المخاوف المذكورة آنفًا، يتوقع "فينستا مورتيز"، الخبير الاستثماري بشركة "آموندي"، أن "البنك المركزي الأوروبي سيمنح أولوية للحفاظ على كلف الافتراض المنخفضة لمساعدة الدول بدلاً من رفع الفائدة المصرفية لمكافحة التضخم".

وقال "مورتيز" في تعليقات حديثة إن "مثل هذه السياسة النقدية ربما تدفع سعر صرف اليورو إلى مواصلة التراجع مقابل الدولار خلال الشهور المقبلة".

من جانبه يتوقع الاقتصادي الأماني "هولغر شيميدنغ" في مذكرة يوم الجمعة الماضي، أن مخاطر انكماش الاقتصاد الأوروبي في النصف الثاني باتت "أكثر احتمالاً".

ويقول "شيميدينغ" في مذكرته" عمليات الإغلاق الجارية للاقتصادي الصيني والإنفاق الحذر من قبل المستهلكين في أوروبا بسبب ارتفاع فواتير الطاقة والغذاء ستقود بسهولة إلى وقوع الاقتصاد الأوروبي في هاوية الركود".

تأسيسًا على ذلك، وسط احتمالات الركود الاقتصادي المرتفعة، من غير المستبعد أن يتراجع صرف اليورو مقابل العملة الأميركية إلى أقل من دولار واحد إذا امتد أمد الحرب الأوكرانية إلى أبعد من الصيف المقبل.

منطقة اليورو تدخل رسميًا عصر الركود:

على صعيد مسار الاقتصاد الأوروبي في هذه الظروف الجيوسياسية، يقول المستشار الاقتصادي لمنطقة اليورو "بيتر بوكفار"، في مذكرة منشورة قبل أيام: "بات من الواضح أن منطقة اليورو دخلت مرحلة الركود الاقتصادي".

وفي ذات الشأن، يقول الرئيس التنفيذي لشركة بوش الألمانية "ستيفن هارتنغ"، في تعليقات لقناة "سي أن بي سي" الأميركية: "أوروبا تتجه نحو الركود الكبير". ويقدر خبراء كلفة الحرب الأوكرانية على أوروبا بأكثر من تريليوني دولار.

كل ذلك يضيف أعباء مالية ضخمة إلى ميزانيات الدول الأوروبية ويرفع من كلف الاستدانة التي يجب ان تحصل عليها دول المجموعة الأوروبية خلال العام المالي الجاري.

وتعاني دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 ودول منطقة اليورو الـ 19 من أزمة ارتفاع الديون السيادية، حيث بلغت ديون الكتلة الأوروبية كنسبة من إجمالي الناتج المحلي نحو 88.1% حسب بيانات يورو ستات.

السيناريو السلبي قد لا يكون حتميًا:

في مقابل هذه التوقعات المتشائمة لليورو، هناك توقعات متفائلة باحتمال أن يغير البنك المركزي الأوروبي من سياسته النقدية الحالية ويلجأ لسياسة رفع الفائدة ودعم سعر صرف اليورو.

ويقول مصرفيون إن هناك توجهاً داخل المركزي الأوروبي لرفع الفائدة على اليورو، ربما في شهر يوليو/ تموز المقبل.

في هذا الصدد يتوقع المصرفي "فالنتين مارينوف" في تعليقات نقلها موقع "ستيرلنغ باوند" البريطاني، أن "المركزي الأوروبي بات يحبذ اليورو القوي وان نهاية الفائدة السالبة ستدعم ذلك".

من جانبه، يقول مصرف "كريدي أغريكول" الفرنسي في تحليل إن الجنيه الإسترليني تم بيعه بكثافة خلال الأسابيع الماضية وإنه سينتعش مقابل العملة الأوروبية.

وكانت تداعيات قوة الدولار حتى العام الماضي تؤثر بشكل مباشر على الاقتصادات الناشئة ولكن بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وتداعياتها السالبة على اقتصادات القارة العجوز، فإن الدولار القوي بات يهدد الاستثمار في أوروبا ويضرب سعر صرف اليورو وبالتالي يرلفع من مخاطر مشتريات المستثمرين الأجانب لسندات الديون السيادية بالقارة، خاصة سندات دول شرقي أوروبا التي باتت تقع مباشرة تحت نيران المدافع الروسية.