المواطن الإيراني يكتوي بنار الغلاء بعد رفع الدعم عن سلع أساسية وانهيار العملة
يعيش الإيرانيون مؤخرًا فيما هو أشبه بـ "عاصفة من التضخم والغلاء"، جراء ارتفاع التضخم وأسعار السلع والخدمات وانعدام بعض البضائع مثل الزيوت الغذائية.
وساهم رفع الحكومة الدعم عن سلع أساسية، مثل القمح والطحين وغيرها، في تضخم الأسعار وتضرر الناس لصالح التخفيف عن خزينة الدولة، مما زاد أعباء المعيشة على المواطن الإيراني الذي يعيش منذ أربع سنوات تقريباً تحت وطأة أزمة اقتصادية متفاقمة على خلفية العقوبات الأميركية وسوء الإدارة الاقتصادية في البلاد.
ورفعت الحكومة الإيرانية، الدعم عن القمح والطحين للاستهلاك الصناعي مثل أنواع الخبز الصناعي، لكنها أبقت على الدعم للخبز التقليدي، وهي في طريقها لرفع هذا الدعم عن السلع الأساسية ما عدا بعض السلع. والخطوة رفعت أسعار أنواع الخبز الصناعي نحو 10 أضعاف، فضلاً عن ارتفاع أسعار الأرز والمعكرونة.
يأتي ذلك بينما سجل الريال الإيراني أكبر معدل انهيار شهدته البلاد منذ وصول الرئيس "إبراهيم رئيسي"، إلى السلطة في أواخر آب/أغسطس الماضي.
وبحسب ما نشرت مواقع وصفحات مختصة برصد أسعار السوق السوداء في إيران، فقد بلغ سعر الدولار الأمريكي الواحد في طهران صباح اليوم، 295 ألف ريال.
ووفق تصريحات أدلت بها وسائل إعلام رسمية إيرانية، فإن "تسارع الاتجاه التصاعدي لسعر الدولار، بدأ في النصف الثاني من شهر مارس/آذار الماضي، وذلك مع توقف المفاوضات النووية بين إيران والقوى الدولية في فيينا".
وذكر موقع "تجارة نيوز" الإيراني أن "هذه أكبر زيادة في سعر الدولار خلال الشهرين الماضيين، حيث ارتفع سعر كل دولار أمريكي بأكثر من 14٪ في الشهرين الماضيين".
أما عن السلع الغذائية، فقد تحدثت وكالات إعلامية مطلعة، أنه خلال الفترة الأخيرة بلغ ارتفاعها بين 100 إلى 150 في المئة وفي بعض الحالات وصل إلى أكثر من ذلك بالمقارنة مع الفترة نفسها بالعام الماضي.
حكومة إيران الجديدة تبرهن الفشل تلو الآخر:
تجتاح موجة الغلاء الجديدة إيران عكس ما كان يأمله المواطن الإيراني بعد مجيء رئيس جديد بوعود اقتصادية وتشكيل حكومة جديدة، أكدت أن أولويتها القصوى هي معاجلة الأزمات الاقتصادية وحل مشاكل المواطنين المعيشية.
وقد مرت ثمانية أشهر على تولي الرئيس الإيراني الجديد "إبراهيم رئيسي" السلطة، ولم يلمس المواطنون أي تحسن بوضعهم المعيشي، على الرغم من حديث الحكومة عن تحسن مؤشرات اقتصادية منها ارتفاع الصادرات النفطية.
وأصبح الإيرانيون يتداولون مقاطع مصورة عن تصريحات "رئيسي" خلال حملته الانتخابية وانتقاداته الحادة لسياسات سلفه "حسن روحاني" الاقتصادية ووعوده بأنه سيحسن الوضع المعيشي إذا ما تولى الرئاسة.
من جانبه، أشار "رئيسي" إلى أن رفع الصادرات النفطية الإيرانية ضعفي الكمية عما كانت عليه عندما تولى الرئاسة الإيرانية خلال يوليو/تموز الماضي، مضيفاً أن حجم التجارة الإيرانية الخارجية قد ارتفع إلى 100 مليار دولار.
وتقول الحكومة الإيرانية، إن أهم دوافعها لتحرير الأسعار يتمثل أولاً في مواجهة الفساد الناتج عن تخصيص الائتمان بسعر صرف 42000 ريال لشراء السلع الأساسية حيث باتت إيران تخصص سنويا 8 مليارات دولار لاستيراد وتوفير هذه السلع منذ العام 2018 في مواجهة العقوبات الأميركية.
وترى حكومة "رئيسي" أن المواطن الإيراني العادي لم يستفد من هذا الدعم وإنما شكل مدخلاً للفساد المالي استغله "انتهازيون". وثانياً، تؤكد الحكومة أنها من خلال تحرير الأسعار تريد مواجهة تهريب السلع الضرورية من إيران إلى الدول الجارة، بسبب الفارق الكبير في الأسعار.
وتنقسم آراء الاقتصاديين بشأن خطوة تحرير الأسعار بين من يراها إجراءات اقتصادية صائبة، ومن يرى أن تطبيق الخطة في ظروف العقوبات سببت ارتفاعاً في التضخم.
كما أن هناك من يقول إن السبب وراء الخطوة هو سعي الحكومة لتسديد عجز الموازنة، خاصة في ظل تعثر مفاوضات فيينا النووية لإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات.
وإلى ذلك أيضاً، خرجت أصوات أخيراً دعت الرئيس الإيراني إلى الاستقالة بسبب تفاقم الظروف الاقتصادية مع انتقاد سياساته الاقتصادية، وفي السياق، دعت صحيفة "جمهوري إسلامي" المحافظة المقربة من الإصلاحيين، في مقال، السبت الماضي، الرئيس الإيراني إلى "التخلي عن منصبه بشجاعة".
المواطن الإيراني يعاني:
تقول امرأة ستينية إيرانية في حديثها لصحيفة "العربي الجديد" إن "الارتفاع اليومي المستمر في الأسعار جعلنا نعيش في وضع معيشي غير مستقر"، وتضيف أن "هذا الأمر ألغى شيئا اسمه التخطيط الاقتصادي لدى الأسر".
وقالت: "ما يهمني هو كبح جماح الأسعار والتضخم، لكن ما الفائدة من هذا الدعم مادامت الأسعار ترتفع بشكل جنوني؟".
وتؤكد "رضوي" وهي مواطنة تقطن جنوبي طهران، أنها تعيل أسرة مكونة من 3 أشخاص وتحصل شهرياً على 8 ملايين تومان (250 دولارا) لكنه يبقى دخلاً تحت خط الفقر البالغ نحو 11 مليون تومان، مشيرة إلى أنها تملك بيتاً ومن دونه ما كان يمكنها أن تعيش بهذا الراتب الذي لا يلبي الحاجيات الأساسية.
وتضيف أن سلعا أساسية مثل اللحوم الحمراء شبه اختفت من سلة عائلتها الغذائية، مؤكدة أن تحرير الأسعار سيفاقم هذا الوضع، كما أن رفع الدعم النقدي الحكومي ربما يكون جيداً لكنه ليس كافياً.
من جانبه يشكو المواطن الستيني "فردين"، ويعمل بسيارة أجرة في طهران، في حديثه مع الصحيفة ذاتها أثناء لقاء في ساحة فاطمي وسط البلاد، من الوضع الاقتصادي، قائلاً إنه يعمل من الساعة السادسة صباحاً حتى الثامنة مساء.
ويضيف "فردين" أنه ينفق على أربعة أشخاص ودخله الشهري البالغ نحو 18 مليون تومان (650 دولارا) لا يغطي حاجات أسرته، حيث يدفع ثلثه لإيجار البيت والتكاليف الباهظة لصيانة سيارته في ظل تضخم أسعار قطع الغيار.