هل ينجح الفيدرالي الأمريكي بلجم التضخم بعد تضحيته بأمن العالم المالي قربانًا لذلك؟
في خطوة اعتبرها الساسة والاقتصاديون الأمريكان العلاج المر لمعدلات التضخم المرتفعة في الولايات المتحدة، التي وصلت لأعلى مستوياتها منذ أكثر من 4 عقود، رفع الفيدرالي الأميركي معدل الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، ضمن أكبر وتيرة زيادة للفائدة منذ العام 2000.
ويبدي خبراء الاقتصاد مخاوفهم الجادة من عدم قدرة هذه الإجراءات على لجم وحش التضخم الذي يفتك بالاقتصاد الأكبر عالميا، مبررين ذلك باستمرار العمليات العسكرية في أوكرانيا وما ينجم عنها من شح في السلع والمواد الغذائية والمصادر ومشتقات الطاقة وارتفاع أسعارها وحول العالم.
وأمام هذه المشاكل المستعصية، والإجراءات الصارمة، يدق المختصون في علم الاقتصاد ناقوس الخطر من الركود في جميع أنحاء العالم.
الصورة ببساطة كما يلي: وول ستريت على حافة الهاوية. البنوك المركزية ترفع أسعار الفائدة في محاولة لكبح جماح التضخم. الاضطرابات الجيوسياسية تؤدي إلى تفاقم صداع سلسلة التوريد الذي بدأ في عام 2020.
ونتيجةً لذلك، حذر الاقتصاديون في "دويتشه بنك" من أننا "سنواجه ركودًا كبيرًا"، مشيرين إلى الاتجاه الهابط في بورصة وول ستريت. بينما قال بنك "أوف أمريكا"، إن المزاج السائد في الأسواق المالية كان "ركوداً".
أما بنك "غولدمان ساكس"، فقد كان من بين البنوك الكبرى الأكثر تفاؤلاً، إذ اكتفى باعتبار أن سوق العمل الضيق "زاد من مخاطر الركود بشكل ملموس".
في غضون ذلك، حذر بنك إنجلترا يوم الخميس من تضخم مؤلف من رقمين وركود محتمل في آنٍ معًا مع رفع أسعار الفائدة، وهو ما يعني أمرًا واحدًا: "خطر الركود التضخمي".
في ظل هذه الصورة القاتمة في الغرب، يتباطأ الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مما يهدد بعرقلة النمو العالمي. وتؤدي حرب روسيا في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء إلى مستويات عالية في الاتحاد الأوروبي وخارجه.
باختصار: إذا كان التاريخ يشير إلى شيء ما، فإن الارتفاع الأخير في التضخم يشير إلى أننا سنكون على وشك السقوط في حفرة الركود... مع استثناء واحد، فإن كل ركود أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية سبقه ارتفاع كبير في الأسعار، وفقًا لخدمة أبحاث الكونجرس.
هل سينجح الفيدرالي الأمريكي في كبح جماح التضخم؟
تعليقا على خطوة رفع الفائدة، وحظوظها من النجاح في ضبط معدلات التضخم الأميركية، يقول الخبير الاقتصادي والمتخصص في قطاع النفط والطاقة، "عامر الشوبكي" إن "هذه الخطوة كانت متوقعة بطبيعة الحال، برفع أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية، فهي محاولة لضبط معدلات التضخم المرتفعة أميركيا، وبالتالي السيطرة على ارتفاع الأسعار المتواصل واضراره الفادحة بقدرة المواطنين الأميركيين الشرائية، وهي محاولة لتحقيق موازنة ما بين ارتفاع الأسعار والمحافظة على معدلات توظيف مقبولة ونمو اقتصادي مقبول".
ويضيف "الشوبكي" في حديثه لوكالة إعلام عربية شهيرة، أن "هذه المعادلة الدقيقة تبناها البنك المركزي الأميركي، عبر رفع تدريجي لأسعار الفائدة طيلة الفترة المضطربة الماضية، ومتوقع أن يكون هناك نحو 3 ارتفاعات مقبلة في أسعار الفائدة لضبطها خلال الأشهر القليلة القادمة، لكن التخوفات العميقة تتمحور حول عدم قدرة هذه الاجراءات على ضبط معدلات التضخم الأميركية المرتفعة".
ويردف قائلا: "وبالتالي ثمة تخوف واسع النطاق من حصول الركود التضخمي، كونه مع فرض العقوبات الأميركية على روسيا وتشديدها ومحاولات موسكو بالمقابل صدها وعكسها على الجانب الغربي، يُخشى أن يتواصل ارتفاع أسعار السلع والطاقة في الولايات المتحدة وحول العالم بشكل أكثر حدة وتصاعدية".
ويسترسل الخبير المتخصص في قطاع النفط والطاقة في شرح التحديات التي تعصف بالاقتصاد الأميركي على وقع الحرب الأوكرانية، بالقول: "خاصة وأنه ثمة نية أوروبية لفرض حزمة سادسة من العقوبات على روسيا، قد تشمل فرض عقوبات على قطاع النفط الروسي هذه المرة، وفق ما اقترحته المفوضية الأوروبية".
ويوضح: "هذا الاحتمال رفع سعر البرميل إلى ما فوق 110 دولارات، وبالتالي فارتفاع أسعار النفط هذا سيقلل لحد كبير من جدوى وفاعلية القرار الأميركي برفع أسعار الفائدة، لضبط معدلات التضخم التي ستبقى في حالة ارتفاع بسبب ذلك".
وهذه الصورة التي يظهرها الخبراء، تشير بوضوح إلى تخبط وضياع في قرارات كبار اقتصاديي العالم، والأمر هنا لا يتعلق في وجود أو غياب طريق صحيح يمكن اتباعه للتعامل مع الأزمة، بل المشكلة أن نظام الاقتصاد العالمي الحديث مصمم خصيصًا ليتفاعل بهذه الطريقة، لذا فلا وجود لوصفة سحرية أو حل مثالي طالما أن العطب في بنية النظام ذاتها.