لماذا ترفض ألمانيا اللجوء للطاقة النووية حتى لو كلفها ذلك البقاء تحت رحمة الروس؟
لطالما كانت الطاقة النووية في الماضي تُصوَر على أنها البديل الأكثر كفاءة للوقود الأحفوري، لدرجة أن البعض تحدث في فترةٍ ما عن أن تقنيات الطاقة النووية المتطورة كالاندماج النووي وما شابه، باتت قاب قوسين أو أدنى من القضاء على النفط.
لكن الحديث البراق عن الطاقة النووية بات باهتًا للغاية في الوقت الحالي، فالقارة العجوز، وخصوصًا ألمانيا، تلهث وراء الغاز والنفط، وتقبع تحت رحمة عدوها الروسي، رغم أنها تمتلك التكنولوجيا والعلم والميزانية الكافية لتشغيل محطات طاقة نووية موجودة، وبناء أخرى.
في هذا الصدد، كشفت صحيفة ”فاينانشال تايمز“ البريطانية، في تقريرٍ حديث، عن وجود أسباب تجعل ألمانيا ترفض وتقاوم حتى الآن فكرة اللجوء إلى الطاقة النووية، رغم العقبات اللوجستية والقانونية والسياسية لسد فجوة الإمدادات من الطاقة الناتجة عن حرب أوكرانيا.
وأضافت الصحيفة أنه "يمكن أن يكون هذا سؤالاً منطقياً، ففي ظل العقوبات المفروضة على روسيا، والتي تعرقل إمدادات الطاقة إلى ألمانيا، فإن عضو البرلمان الألماني مارك برنارد يطرح السؤال حول الأسباب التي تجعل برلين لا تبدأ في إعادة تشغيل محطات الطاقة النووية؟".
ونقلت الصحيفة عن "برنارد" قوله: "إذا أعدنا تشغيل المفاعلات النووية الثلاثة التي أوقفنا العمل بها منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فإنه من الممكن أن يشكّلوا، بالإضافة إلى المفاعلات الثلاثة الأخرى التي تعمل بالفعل، بديلاً للفحم الذي نستورده من روسيا أو 30 % من الغاز الروسي".
إلا أن رد المستشار الألماني "أولاف شولتس"، على النائب "مارك برنارد"، كان مختصرا وغير مقنع، إذ قال له: "لو كان العالم بسيطاً بالطريقة التي تطرح بها هذا التساؤل، فإن الحياة كانت ستكون جيدة للغاية".
واستطردت صحيفة فاينانشال تايمز لتقول: "حتى الآن، فإن برنارد ليس الوحيد الذي طرح هذا التساؤل، فقد قررت ألمانيا التخلي عن تشغيل بعض المفاعلات النووية في أعقاب كارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011، ومن المقرر أن يتم إغلاق آخر مفاعل نووي لديها بنهاية العام الجاري".
وتابعت: "لكن مع قيام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على الفحم الروسي، ومطالب البعض بفرض نفس الحظر على النفط والغاز الروسي، فإن هناك مطالب متصاعدة بأن يتم اللجوء إلى الطاقة النووية من أجل سد النقص في واردات الطاقة."
وأشارت إلى أن الحكومة الألمانية رفضت تغيير موقفها، مبينة ”وجود أسباب تقنية تمنعها من تغيير توجهاتها، ولكن الدافع الرئيسي يمكن أن يكون سياسياً، خاصة بالنسبة لحزب الخضر، الذين يهيمنون على وزارة الاقتصاد“.
ونقلت الصحيفة عن "توماس أودونيل"، محلل الطاقة المقيم في ألمانيا، وعالم الفيزياء النووي، قوله: "سوف يكون هذا انتحاراً بالنسبة لحزب الخضر بأن يقولوا إنهم كانوا على خطأ فيما يتعلق بالطاقة النووية، وبالتالي فإنهم مجبرون على الاستمرار في خطة المعركة القديمة".
لذلك فإن "أي قرار لإطالة أمد العمل في المفاعلات النووية الباقية في ألمانيا سوف يتطلب إجراء تقييم شامل وجديد للمخاطر".
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الألمانية لا تخفي قلقها حول المخاطر المرتبطة بالطاقة النووية، خاصة في ظل التهديد الذي تشكله الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية.
وهذا الأمر يقود إلى الكثير من الريبة والشكوك، فالبعض اختار تفسيرًا غريبًا لهذا الموقف، معتبرًا أن المنشآت النووية الألمانية قد تكون "مخترقة تكنولوجيًا"، أو أن إحدى الأطراف التابعة للروس أو الصينين قد حققت خرقًا مسبقًا في هذا الصدد وهي الآن قادرة على تشكيل تهديد جدي في حال إعادة إقلاع هذه التكنولوجيا.
وقالت الصحيفة إن ”الحرب في أوكرانيا ألقت الأضواء على الكثير من المخاطر الخارجية ذات الصلة بالطاقة النووية، حيث أطلقت القوات الروسية النار على محطة ”زابوريجيا“ للطاقة النووية، وهي أكبر محطة نووية في أوروبا، كما انقطع التيار الكهربائي عن محطة تشيرنوبيل غير النشطة“.
وأشارت إلى أن ”محطات الطاقة النووية الثلاثة الباقية في ألمانيا لا تملك ما يكفي من القضبان النووية التي تسمح باستمرار العمل فيها لما بعد نهاية العام الجاري، بحسب الحكومة“.
وأردفت: ”سوف تستغرق عملية توفير وقود جديد للتشغيل فترة تتراوح بين 12 إلى 15 شهراً، ووفقاً لأكثر التوقعات تفاؤلاً بهذا السيناريو، فإن المحطات يمكن أن تعود للعمل في صيف 2023“.