محصول القمح السوري مهدد بسبب نكث الحكومة بوعودها وعدم توفير مازوت السقاية

ندرك جميعًا مدى أهمية محصول القمح والحاجة الملحة له في ظل الظروف الحالية، خصوصًا مع أزمة القمح التي تخيم على العالم أجمع، فلا ينبغي إهدار سنبلة واحدة متوفرة مع إمكانية الاستفادة منها.

ومع بديهية ما ابتدأنا به، فإن موسم جني القمح في سوريا لا يسير على ما يرام، حيث يعاني المزارعون من عدم توفر المازوت المدعوم لري محاصيلهم، رغم وعود الحكومة المتكررة للمزارعين بتوفير كافة مستلزمات إنتاج القمح، ومنها مادة المازوت للعام الجاري 2022. 

وبحسب تقديرات نشرتها وزارة الزراعة سابقًا، فقد زُرع هذا العام حوالي "مليون ونصف المليون هكتار، أي كامل المساحة المخططة للري، و80% من المساحة المخططة للزراعة البعلية". ورغم أن الرهان في الإنتاج هو على المساحات المروية لهذا العام، إلا أن الحكومة لم توفر المازوت اللازم للمزارع لري محصوله. 

يأتي ذلك بعدما تراجعت وزارة الزراعة، في التاسع من شهر إبريل/نيسان الجاري، عن وعودها بتأمين المازوت المدعوم للمزارع بسعر 500 ليرة، وأعلنت عن توفره بالسعر الحر 1700 ليرة، ويتوجب على المزارع التسجيل لدى وحدته الإرشادية خلال 72 ساعة على أن يبدأ التوزيع بعد منتصف الشهر الجاري وفق ما يُؤمن من مادة المازوت. 

الحكومة تحترف نكث الوعود:

يشتكي الفلاح الحموي "سعيد جابر" (42 عاماً)، أن أكثر من 55 دونما زرعها تعاني من شح الري، إذ لم يستطع حتى اليوم تأمين ما يلزمه من مادة المازوت لسقاية محصوله.

ويقول في حديثه لصحيفة "العربي الجديد" محتجًا: "أحتاج لحوالي ألف لتر مازوت كي أسقي محصولي، لكن مخصصاتي بالسعر المدعوم لا تتعدى الــ 200 لتر وهي لا تكفي لسقاية كامل المحصول". 

ويضيف أنه "حتى الـ 200 لتر لم نحصل عليها بحجة أنَّ دوري لم يأتِ بعد"، ما اضطره لشراء كميات قليلة من المادة بالسعر الحر بالسوق السوداء (5000 ليرة) لسقاية قسم من محصوله لحين توفر "المازوت المدعوم". 

ويشير "جابر" إلى استياء مزارعي منطقة الغاب وسط سورية من قرار وزارة الزراعة بيع المازوت بالسعر الحر الحكومي (1700 ليرة)، وليس كما وعدهم وزير الزراعة "حسان قطنا" بأن يكون سعر اللتر المدعوم (500 ليرة).  

ويخشى المزارع من تأخر الحكومة في توزيع مادة المازوت بسعر 1700 ليرة كما حدث العام الماضي 2021، ما يعرضه لخسارة كبيرة في محصوله جراء تضرره وبالتالي خسارته حتى تكاليف زراعة محصول القمح. 

أما "خالد زينة" (50 عاماً)، وهو مزارع من اللاذقية، فيقول في لقاء مع الصحيفة ذاتها: "لم نحصل على أسمدة ولا على مبيدات حشرية خلال العام الحالي، والعائق الأكبر لنا حاليًا هو مازوت السقاية."

ويضيف: "قرار بيع المازوت للمزارع بالسعر الحر جائر في هذا التوقيت". والمحصول مصاب بـ "آفة العطش" بحسب تعبيره.  

ويشرح "زينة" الإجراءات الروتينية الصعبة والمعقدة بين الوحدة الإرشادية ومديرية الزراعة وشركة محروقات، والتي تحتاج لجولات وكشوفات على أرض المزارع ومطابقة المساحة المزروعة مع تصريح المزارع من قبل المعنيين. ما يؤخر عملية توزيع المازوت التي ربمَّا لن تأتي إلا بعد انتهاء موعد السقاية. 

وعلى غرار "خالد"، عانى مزارعو القمح في عموم سوريا من موجات الصقيع التي أثرت على محصولهم ومن ارتفاع أسعار الأدوية والمبيدات والسماد المشتراة من السوق الحر (غير المدعومة)، إضافةً لمعاناة الحصول على مازوت السقاية. 

3 لترات للدونم الواحد... أرقام معيبة:

نقلت صحيفة "العربي الجديد"، عن مصدر يعمل في مديرية زراعة اللاذقية رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن "الكمية المخصصة للمزارع من المازوت المدعوم هي ثلاث ليترات لكل دونم لغرض السقاية"، وأفاد بأن "كميات المازوت المخصصة للمزارعين في حدها الأدنى ولا تغطي كامل المساحات المزروعة". 

وهنا جاء قرار بيع المازوت بالسعر الحر للمزارعين عوضاً عن السعر المدعوم نتيجة لعدم توفره، وهو إشارة واضحة للمزارع كي يؤمن المازوت من السوق السوداء بحسب المصدر، الذي شدد على أنه "حتى بالسعر الحر البالغ 1700 ليرة الحكومة غير قادرة على توفيره للمزارع". 

وأوضح المصدر أنَّ المزارع الذي استلم مبيدات وأدوية زراعية ومن ثم المازوت سابقاً كتب تعهداً بتسليم محصوله لمراكز تسليم الحبوب الحكومية بعد الحصاد، ما يعني أنَّ عملية توزيع المازوت يمكن أن تتم عبر قوائم الأسماء الموجودة مسبقاً لدى مديريات الزراعة ولا تحتاج لكل هذا التعقيد.

محصول جيد لا يجد من يستغله:

تشير البيانات إلى أن محاصيل القمح على امتداد الأراضي السورية هذا العام تتميز بالجودة، وهي خالية من الأمراض، بحسب إفادة الدكتورة "شعلة أبو خاروف"، عضو اللجنة الوطنية للأصداء ومدرّسة في جامعة الفرات. ذلك أنَّ موجات الصقيع وفقاً للمسح الذي أجرته اللجنة أثرت فقط في المناطق التي شهدت زراعات متأخرة للقمح. 

وتشير الأرقام المتداولة إلى أنَّ الحكومة تحتاج إلى مليوني طن من القمح سنوياً لتأمين احتياجاتها من الخبز. تؤمن قسماً منه من إنتاجها المحلي، والآخر عبر الاستيراد من روسيا.