كيف تصمد عملات دول الخليج حتى الآن أمام سيل النوائب المحيطة بالعالم؟

نعلم جميعًا أن دول الخليج العربية قد ربطت عملاتها بالدولار الأمريكي على مدى عقود. وكان ذلك لأسباب سياسية واقتصادية عديدة لا يتسع المجال لذكرها، لكن الأمر آل في نهاية المطاف إلى حالة من التوازن بالأسواق العالمية بين النفط والدولار، وكان له فوائد وإيجابيات استفاد منها الطرفان.

وعلى الرغم من أن هذا الربط هو سر صمود عملات الخليج أمام أعتى الأزمات، بما في ذلك الأزمة الحالية، إلا أنه بين فترة وأخرى، تُختبر هذه الآليات، كما اختُبرت في 2020 عندما أدت حرب الأسعار إلى تدهور النفط دون مستوى 20 دولاراً للبرميل.

دول الخليج المرتبطة بالدولار:

تربط الدول الست أعضاء مجلس التعاون الخليجي –البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات– عملاتها، أو تتبنى نظاماً مُداراً لأسعار الصرف الأجنبي، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

أما الدينار الكويتي فهو يتتبع سلة من العملات يُعتقد أن الدولار يهيمن عليها، فيما ترتبط عملات أخرى بالدولار وحده.

ساعد هذا الربط في حماية اقتصادات المنطقة من تقلب أسواق الطاقة، وسمح للبنوك المركزية بتجميع احتياطيات في أوقات الرخاء.

وبدورها تُستخدم هذه الاحتياطيات مع الأصول الأجنبية التي تحتفظ بها صناديق الثروة السيادية لدول المنطقة في الدفاع عن مستوى ارتباط العملة.

فاتورة الارتباط بالدولار:

إن الارتباط بالدولار ليس أمرًا يقوى عليه الجميع، فما زالت سجلات تاريخ الاقتصاد تتذكر كيف انهارت أنظمة أسعار الصرف الثابتة في آسيا تماماً أثناء أزمة العملة في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما أجبر المضاربون دولاً مثل تايلندا وكوريا الجنوبية على التخلي عن ربط عملاتها بالدولار الأمريكي.

أما حاليًا، فيقتصر تبنّي هذه الأنظمة عموماً على الدول الرئيسية المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط إضافة إلى هونغ كونغ، التي يرتبط دولارها بالعملة الأمريكية منذ عام 1983.

وكثمن لارتباط العملة بالدولار في منطقة الخليج، فغالباً ما تضطر البنوك المركزية المحلية للاسترشاد في السياسة النقدية ببنك الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة، مما يتسبب في خطر عدم ملاءمة السياسة النقدية عندما لا تتوافق الدورة الاقتصاية.

وهكذا فإن دول الخليج، تصارع اليوم مشكلة ارتفاع التضخم وآفاق زيادة أسعار الفائدة عالمياً بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

مع ذلك، هناك حالة لا يمكن إنكارها من التذمر تجاه هيمنة الدولار العالمية، واستعداد الولايات المتحدة لاستخدامه سلاحاً في العقوبات الموجهة ضد روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

هل تتخلى دول الخليج يومًا ما عن الدولار؟

لم تُشِر حكومة واحدة في الإقليم إلى أنها قد تتخلى عن ربط عملتها وأن تدَع للأسواق مهمة تحديد قيمة العملة.

ومع ذلك، يقال إنّ المملكة العربية السعودية، أكبر اقتصاد في المنطقة، تدرس قبول اليوان في سداد قيمة صادراتها النفطية إلى الصين.

وإذا أقدمت المملكة على هذه الخطوة فسيصبح نظام "البترودولار" محل اختبار، خصوصاً إذا اقتدى بها جيرانها، في ضوء أن واردات الصين تشكل ما يزيد على 20% من إجمالي الصادرات النفطية لدول المجلس.

ويرى محللو أسواق العملة أن المملكة العربية السعودية كانت توجه رسالة سياسية إلى الولايات المتحدة بالتقارير الخاصة باليوان، وسط علاقات متوترة مع واشنطن، وقللوا احتمال أي تحرك وشيك.

اختبارات عنيفة صمد أمامها نظام الربط بالدولار:

اجتاز هذا النظام اختبارات عنيفة، منها سنوات متتالية من انخفاض أسعار النفط في تسعينيات القرن الماضي، وكانت فترة ضعف في قيمة الدولار قبل وقوع الأزمة المالية في عام 2008 وأزمة أسعار النفط في عام 2014.

قفز المضاربون في هذه الفترة وتدخلوا في محاولة فاشلة لمقاومة ربط عملة السعودية بالدولار، رافعين سعر العقود الآجلة مدة 12 شهراً التي استخدمها المستثمرون في المراهنة على فك الارتباط بين العملتين أو للتحوط إذا وقع ذلك.

وبدلاً من أن تختار السعودية تخفيض قيمة الريال، خفضت المملكة الإنفاق ومخصصات الدعم وتوجهت إلى أسواق الديون لتمويل عجز الموازنة. وتبنى جيرانها استراتيجيات شبيهة.

ودائمًا ما تكون المشكلة أن حكومات المنطقة، لكي تحافظ على ربط عملاتها، مضطرة إلى اتباع الاحتياطي الفيدرالي بسلسلة من زيادات أسعار الفائدة التي تنتهي إلى الإضرار باقتصاداتها.

وإذا فعلت فسيظل أمامها طريقة لتجنب الوقوع في الركود الاقتصادي، فأسعار النفط تواصل الارتفاع، مما يدرّ عليها سيولة وفيرة تستطيع استخدامها في زيادة الإنفاق ودعم معدلات النمو.

منذ فترة طويلة، كانت أضعف الاقتصادات في المنطقة هي عمان والبحرين، والأخيرة كانت الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحتاج إلى زيادة سعر النفط ليتجاوز 100 دولار للبرميل حتى تحقق توازناً في موازنتها العامة، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

أما مؤخراً، كان أداء الدولتين أفضل، وقد رفعت مؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال" للتقييم الائتماني تصنيف عمان في شهر أبريل/ نيسان الجاري.

وخفف ارتفاع أسعار النفط المخاوف المتعلقة بقدرة السلطنة على الحفاظ على ربط الريال بالدولار، ما شجع المتعاملين على تقليص رهانهم على تخفيض قيمة العملة.

لدى السعودية والإمارات والكويت وقطر دائماً ذخيرة كافية في صورة احتياطيات نقدية هائلة للدفاع عن مستوى ربط عملاتها.

سيناريو استقلال الخليج عن هيمنة الدولار:

في حين أن ربط العملة يحدّ من حرية حكومات المنطقة في أن تسعى وراء أهداف لسياساتها النقدية مثل إنعاش معدلات نمو الاقتصاد أو خلق الوظائف، فإنه يتيح فرصة أكبر للتنبؤ بقيمة العملة بالنسبة إلى المستثمرين والمقيمين الأجانب.

في الواقع، فإن مكانة الدولار كعملة احتياطي دولية ستتآكل من أساسها إذا فكت دول مجلس التعاون الخليجي ربط عملاتها بالدولار.

إذ يمثل احتياطي دول الشرق الأوسط ما بين 10% و15% من إجمالي الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي خارج الصين، وفق تقديرات "غولدمان ساكس". وتشكل السعودية وحدها نحو 5% من هذا الإجمالي.

فإذا قبلت السعودية سداد قيمة النفط باليوان الصيني، ستجمع حينها احتياطيات كبيرة من اليوان، ويجب عليها بعد ذلك تخصيصها، وفق ما أشار إليه بنك "غولدمان ساكس" في مذكرة بحثية في مارس/ آذار الماضي. وسيمثل ذلك تحدياً في ذاته على خلفية حجم سوق السندات الصينية.