انفصال عن الواقع... قرار رفع سعر الفائدة على الليرة السورية يثير استهجان الخبراء

قام مصرف سورية المركزي مؤخرًا برفع سعر شراء دولار الحوالات الشخصية الواردة من الخارج وأسعار الفائدة على الودائع المصرفية.

وبحسب بيان المركزي، فقد تم رفع سعر شراء الدولار لتسليم الحوالات الشخصية الواردة من الخارج إلى 2800 ليرة بدلاً من 2500 ليرة (ما يمثل زيادة بمعدل 11 بالمئة). وهو السعر الذي يطبق على مجموعة من الحوالات، منها حوالات المنظمات الدولية غير الحكومية، وحوالات منظمات الأمم المتحدة، والحوالات الواردة عبر شركة ويسترن يونيون العالمية.

 وجاء ذلك على التوازي مع قرار آخر باحتساب سعر فائدة سنوية بنسبة 11% على الودائع لأجل شهر واحد، وتعتبر كحد أدنى لبقية الآجال. وقد برر المركزي هذا القرار، بأنه يهدف إلى جذب المدخرات وتوجيه التسهيلات نحو الأنشطة الإنتاجية الداعمة للتنمية.

قرار ساذج وانفصال عن الواقع... خبراء ينتقدون خطوة المركزي الأخيرة:

اعتبر الكاتب والباحث السوري "إياد الجعفري"، أنه من السذاجة أن تُعالج مشاكل اقتصادٍ مشوّه، تعاني عجلته الإنتاجية من “العَرَج”، بأدواتٍ نقدية ومالية تقليدية. مؤكدًا أن ما ينطبق على الحالة المصرية مثلاً، لا يتناسب مطلقاً مع الحالة السورية، لذلك يظهر صانعو القرارات النقدية والمالية في سوريا بمظهر المنفصل عن الواقع.

وسبب الإشارة إلى الحالة المصرية في هذا السياق، يرجع إلى أن السلطات النقدية والمالية في سوريا، اتخذت إجراءً يشابه –شكلاً-، ما قامت به الدولة المصرية، قبل شهر، حينما رفعت سعر الفائدة، وخفّضت قيمة الجنيه المصري، في نفس اليوم، بهدف لجم التضخم.

ويستشهد "الجعفري" على ذلك قائلًا: "حتى أن التبريرات التي ساقها مصرف سورية المركزي، مرفقةً بالقرارين المشار إليهما، ركزت بصورة أساسية، على هدف الحد من الضغوط التضخمية."

ثم يستدرك: "لكن إسقاط الحالة المصرية على الحالة السورية، أمر لا ينم عن أية حكمة، لدى صانع القرار الاقتصادي السوري. ناهيك عن أن عملية التنفيذ لم تكن، حتى، مسترشدة بالنموذج المصري، من حيث المضمون."

والسبب خلف هذا الرأي أن السلطات النقدية السورية رفعت سعر الفائدة على الودائع، من 7 إلى 11%. أي بنسبة 4%. وهي إشارة "فاقعة للغاية"، إلى حجم الضغوط التضخمية في الحالة السورية. بينما في مصر، رفع المركزي سعر الفائدة، بنسبة 1%، فقط.

وفي سوريا، تم خفض قيمة الليرة –رسمياً- من 2512 إلى 2814 للدولار الواحد، أي بنسبة 12%، فقط. فيما خفّضت السلطات المصرية، قيمة الجنيه المصري، بنسبة 18%.

ولكي تمتص السيولة النقدية من الأسواق، طرحت السلطات النقدية المصرية، شهادات ادخار ذات عائد شهري، بنسبة 18%. وهو عائد يفوق معدل التضخم الذي بلغ 12.1%، في آذار/مارس المنصرم. الأمر الذي سمح بتحقيق هدف المركزي المصري، بجذب مليارات الجنيهات المصرية من السيولة المتاحة في الأسواق، لتُودع في بنكي “مصر” و ”الأهلي”، خلال أيام فقط من تاريخ طرح شهادات الإيداع المشار إليها.

أما في الحالة السورية، فأفضل سعر فائدة قدمته السلطات النقدية، كان 11%، مقابل معدل تضخم مُفرط، تؤكده مؤشرات أسعار السلع، التي قفزت بنسبٍ تتراوح ما بين 30 إلى 100%، خلال أسابيع فقط. وهنا تبدو إشارة المركزي إلى رغبته في جذب مدخرات السوريين لتتحول إلى ودائع بنكية، "مثيرة للسخرية".

ويتساءل "الجعفري" مستغربًأ: "دعنا نتصور مواطناً سُوريّاً يودع 100 مليون ليرة سورية، على مدار سنة، مراهناً على فائدة الـ 11%. كم سيخسر من القيمة الحقيقية لنقوده؟ إذا اعتمدنا أرقام العام 2021، فإن الليرة خسرت من قيمتها، خلال سنة، 25%. أي في المحصلة، وبعد طرح مربح الفائدة، سيخسر السوريّ، 14%، من القيمة الحقيقية لأمواله، بالاستناد إلى مؤشر سعر الصرف."

كل ذلك بدون الإشارة إلى أن مؤشر سعر الصرف هو مؤشر متفائل جداً، إذا ما قُورن بمؤشر التضخم. ففي عام 2021، زاد متوسط تكلفة المعيشة في سوريا بنسبٍ قد تبلغ 70%، وفي أكثر التقديرات تفاؤلًا كانت النسبة 40%.

 فإذا أخذنا الرقم الأكثر تفاؤلاً -40%-، فهذا يعني أن السوريّ، وبعد طرح مربح الفائدة، سيخسر 29% من القيمة الحقيقية لأمواله، بالاستناد إلى مؤشر التضخم.

ويعود "الجعفري" ليؤكد أن "الحسابات السابقة، تستند إلى أرقام العام 2021، وهي أرقام “رحيمة”، إذا ما قُورنت بتغير تكاليف المعيشة خلال الربع الأول من العام الجاري. إذ ارتفعت أسعار السلع بما يتراوح ما بين 30 إلى 100%."

ويضيف الباحث السوري: "أما الصادم أكثر، في بيان المركزي، إشارته إلى رغبته في توجيه القروض المصرفية نحو الأنشطة الإنتاجية. وهنا، لا نعرف من أي كتاب نظري، يقرأ صانع القرار في المركزي. فكيف يراهن على زيادة النشاط الاقتصادي، وتعزيزه، عبر الاقتراض، من خلال رفع سعر الفائدة؟!"

في الخاتمة لا مناص من التساؤل: "هل سيستجيب السوريون لرغبة المركزي بزيادة ودائعهم البنكية طويلة الأجل؟"

والإجابة المنطقية أن ذلك مستبعد للغاية، نظراً لحسابات الخسارة الناجمة عن معدل التضخم المُفرط في البلاد. وهكذا، فإن النتيجة الوحيدة لقرار السلطات النقدية في سوريا، برفع سعر الفائدة، هو رفع تكاليف الاقتراض على النشاطات الإنتاجية المعتمدة عليه. وهو ما سينعكس على أسعار السلع المُنتجة من تلك النشاطات، أي زيادة في ارتفاع الأسعار.