معطيات سلبية تشير إلى اتجاه مصر نحو أسوأ أزمة مالية في تاريخها
يحذر خبراءٌ ومراقبون أن مصر تتجه بخطى متسارعة نحو أزمة مالية عصيبة، وسط إنذاراتٍ تطلقها مؤسسات تصنيف عالمية من دخول القاهرة في دوامة كارثية للديون المحلية والخارجية.
وقد دق الخبراء ناقوس الخطر في وقت خسر فيه الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي 3.9 مليارات دولار دفعة واحدة خلال شهر مارس/ آذار الماضي بالتزامن مع تهاوي سعر صرف الجنيه لأدنى مستوياته منذ أكثر من 6 سنوات.
وعلى هذه الوتيرة، باتت مصر مهدّدة بأزمة ديون كارثية، حسب أحدث البيانات الصادرة عن أكبر وكالة تصنيف ائتماني في العالم، إذ كشف تقرير حديث صادر عن وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" العالمية أنّ إجمالي الديون السيادية لمصر يتوقع أن يصل مع نهاية العام الحالي، 2022، إلى 391.8 مليار دولار، بعدما كان 184.9 مليار دولار فقط في العام 2017.
ووفقًا للبيانات التي أظهرها التقرير فإن مصر تستحوذ على 0.6% من إجمالي الديون التجارية في العالم، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بدول مماثلة، أو إذا ما قورنت بالاقتصادات الناشئة، حيث تشكل تركيا بكل حجمها مثلا 0.3% فقط من اجمالي الديون التجارية في العالم، وكذلك باكستان تشكل النسبة ذاتها.
وتوقعت الوكالة، في تقرير حديث، أن تتخطى مصر تركيا كأكبر مصدر للديون السيادية في المنطقة، بمبيعات للسندات بقيمة 73 مليار دولار خلال العام الجاري، 2022.
وكشف البنك المركزي المصري منذ أيام عن تراجع حاد للاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية إلى 37.082 مليار دولار بنهاية مارس/ آذار الماضي، مقابل 40.99 مليار دولار بنهاية فبراير/ شباط السابق له.
هل تكفي مساعدات العرب لإنقاذ الاقتصاد المصري؟
أجرت الحكومة المصرية مفاوضات مكثفة مع قطر والسعودية والإمارات والكويت للحصول على رزمة مساعدات مالية عاجلة، في شكل ودائع بالبنك المركزي، وبيعها أصولاً حكومية في بنوك وشركات عامة، تراوح قيمتها ما بين 17 و22 مليار دولار.
وتسعى الحكومة إلى الحصول على تدفقات مالية عاجلة من الدول الثلاث خلال 3 أشهر، لمواجهة ما تتعرض له من "صدمة سيولة" لسداد التزامات الديون المستحقة خلال إبريل/ نيسان الحالي.
وتعطي مصر الأولوية حاليًا، لضمان دفع قيمة السلع الاستراتيجية المستوردة وعمليات سحب المستثمرين الأجانب محافظ الأموال من الأسهم والسندات "التي تجري على نطاق واسع وبسرعة لم يسبق لها مثيل في التاريخ"، وفقاً لما وصفه تقرير لمنظمة التجارة والتنمية (أونكتاد)، أصدرته الأسبوع الماضي.
وما يزيد الأمر سوءً أن المستثمرين في الأموال الساخنة هرعوا إلى سحب 15 مليار دولار من مصر في الأسابيع الأخيرة، وتزايدت عملية السحب مع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، كما تذكر مؤسسة "غولدمان ساكس" المالية الدولية.
وهو ما دفع الحكومة إلى طلب مساعدات عاجلة من السعودية وقطر والإمارات، أسفرت عن إيداع 5 مليارات دولار في احتياطي البنك المركزي من الرياض، بينما تعهدت الإمارات بدفع ملياري دولار مقابل شراء أصول حكومية في البنك التجاري الدولي وشركات مدفوعات اليكترونية وأسمدة وبتروكيماويات، وستقدم قطر 5 مليارات دولار أخرى لشراء أصول في قطاع البترول واستثمارات ومساهمات حكومية بشركات محلية.
لكن هذه المبالغ والمبادرات لن تكون أكثر من سندٍ مؤقت ليقف الاقتصاد على قدميه، ويصبح لدى الحكومة المزيد من الوقت للتفكير في حلول فعالة، لذلك فهي ليست حلولًا بحد ذاتها.
عودة ثالثة لصندوق النقد تنتهي بصدمة:
عادت مصر للمرة الثالثة تطلب قروضاً عاجلة من صندوق النقد الدولي بموجب وجود "خطر احترازي وسيولة"، بعدما طلبت عام 2015 قرضاً قيمته 12 مليار دولار لمواجهة خطر خفض قيمة الجنيه وزيادة الأسعار، وحصلت عام 2020 على 8 مليارات دولار لمواجهة كورونا.
لكن الحكومة اصطدمت في طلبها الجديد بأنّ الدولة تجاوزت حصتها من حقوق الاقتراض من الصندوق، الذي طلب تأمين التمويل المشترك للقروض من مصادر أخرى.
ويتوقع رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب "فخري الفقي"، أن تستكمل مصر التفاوض على اقتراض 3.5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، من خلال تسهيل ائتماني ممدد يستغرق ما بين 3 و6 أشهر.
ويرى الخبراء أن قرض الصندوق الجديد رهن بتنفيذ التعهدات التي قدمتها السعودية وقطر والإمارات بدفع مبالغ تراوح ما بين 17 و22 مليار دولار، كاستثمار مباشر في الاقتصاد المصري، من خلال شراء أصول حكومية، لا سيما أن العائد على الاستثمار في السندات أو أذون الخزانة لن يكو مربحا، في ظل ارتفاع الفائدة على الدولار بالأسواق الدولية والعائد السلبي على الجنيه، إذا ما قورن بالزيادة المتوقعة في التضخم خلال الفترة المقبلة.
احتياطي نقدي هش وطرق مسدودة تنتهي برفع الفائدة:
يخشى مطلعون على معطيات الاقتصاد المصري، أنّ مصر ستحتاج خلال الأشهر القادمة إلى أن يرفع البنك المركزي الفائدة على الجنيه مرة أخرى بمعدلات تصل إلى 300 نقطة، مع انتقال مصر إلى فترة تضخم ثنائية الخانة، تستمر حتى مارس/ آذار 2023.
وكان البنك المركزي قد سجل مستويات غير مسبوقة للاحتياطي النقدي، وفقاً لتصريحات "طارق عامر"، محافظ البنك، خلال عام 2019، وصلت إلى 45.419 مليار دولار منذ قرار خفض قيمة الجنيه، في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بعدما بلغ التدفق النقدي نحو 200 مليار دولار خلال تلك الفترة، قبل أن ينخفض الاحتياطي أخيراً إلى نحو 37 مليار دولار.
عكست مكونات الاحتياطي هشاشة موارده، التي جاءت معظم أصولها من ودائع كويتية وسعودية وإماراتية، بالإضافة إلى ودائع ووحدات السحب الخاصة من صندوق النقد وبعض ممتلكات البنوك الأجنبية وفروع البنوك المصرية الخاصة بالخارج، وكأنها أموال على الورق، بينما لم يتجاوز الاحتياطي الذهبي ما قيمته 3.073 مليارات دولار، وبلغت التدفقات النقدية من السياحة وقناة السويس والاستثمار في قطاع البترول والهيئات الحكومية وعوائد السياحة 18.138 مليار دولار.
في خضم هذه المعمعة، يحذر عضو جمعية رجال الأعمال المصريين "أحمد الزيات" من خطورة رفع أسعار الفائدة على الجنيه واللجوء إلى خفض قيمته على المستثمرين والشركات، خصوصاً التي حصلت على قروض لتمويل مشروعاتها قبل التعويم الأخير.
ويشير النائب "ضياء داوود"، عضو مجلس النواب، إلى أن الحكومة لا تمتلك رؤية اقتصادية منذ تقديمها برنامج عملها للبرلمان عام 2015، إذ تلجأ للحسم المالي عبر زيادة الفائدة وخفض الجنيه، وتغض الطرف عن آثاره السلبية، بما يعمل على خفض القيمة الحقيقية لدخل الأفراد، ويهدد الصناعات والأسواق، ويحمل الدولة أعباء مالية جديدة، مع لجوئها لمزيد من القروض الأجنبية لسد العجز في الموازنة سنوياً.