سيناريو تخلف روسيا عن ديونها... هذا ما يمكن أن يحدث

تجنبت روسيا طوال الأسابيع الماضية خطر التخلف عن السداد، لكن ليس بسبب قوة اقتصادها بل لأن وزارة الخزانة الأميركية سمحت باستخدام العملات الأجنبية التي تملكها موسكو في الخارج لسداد الديون الخارجية.

لكن منذ الاثنين الماضي، لم تعد الولايات المتحدة تسمح لروسيا بسداد ديونها بالدولارات الموجودة في البنوك الأميركية. نتيجة لذلك، قام "جي بي مورغان"، وهو بمثابة بنك مراسل، بمنع السداد. ثم أعلنت وزارة المال الروسية الأربعاء أنها سددت بالروبل قرابة 650 مليون دولار مستحقة في 4 نيسان/إبريل.

وفي أعقاب هذا القرار، خفّضت وكالة التصنيف المالي "ستاندرد إند بورز غلوبال رايتينغز" (S&P Global Ratings) تصنيف روسيا بالنسبة لمدفوعات العملات الأجنبية (وليس المدفوعات بالروبل) إلى مستوى "التخلف عن السداد الانتقائي"، وهي المرحلة الأخيرة قبل التخلف عن السداد العام.

واعتبر المتخصص في البنوك وتعثرات الدول "سليم سويسي" في حديث لوكالة أنباء عالمية أنه "يتم دفع الدولة الروسية، مثل العديد من الشركات الروسية إلى تعثر تقني، في حدث غير مسبوق".

وقال: "يجب أن يتم السداد في ظروف مواتية على الأقل بقدر ما تم الاتفاق عليه في الأصل"، لكن "في حالة السداد بالروبل، في حين ينص العقد الملزم على الدفع بالدولار فقط، يمكن اعتبار ذلك بمثابة تقصير في السداد".

وأكد "سويسي" أنّه "نظرياً"، يمكن للدائنين "اتخاذ إجراءات قانونية ضد الدولة الروسية ليتم تعويضهم"، حتى لو كان هامش تحركهم محدودا جداً.

ويمكن لروسيا أيضاً الاعتراض على أي تقصير في السداد أمام المحاكم على أساس أنها مُنعت من الوفاء بديونها الخارجية بسبب العقوبات المالية المفروضة عليها.

روسيا غير مكترثة أم تتصنع عدم الاكتراث؟

في الواقع إن وصول روسيا لمرحلة التخلف عن السداد سيعني بالنسبة لها صدمة كبيرة، حتى لو ادعت غير ذلك، لا سيما وأنها عملت على تقوية مركزها المالي في السنوات الأخيرة رداً على العقوبات الغربية، التي طالتها في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، كما حققت الحكومة فائضاً في الميزانية وخفّضت اعتمادها على الدولار الأمريكي.

وقد ذكرت مؤسسة التمويل الدولية أن الالتزامات الخارجية لروسيا قد انخفضت من 733 مليار دولار تقريباً عام 2014 إلى نحو 480 مليار دولار، وتمثل هذه الالتزامات جميع الأموال المستحقة للدائنين على الحكومة والشركات والأفراد. ويشمل الرقم 135 مليار دولار سيحين موعد استحقاقها للدائنين في غضون عام.

ومع ذلك فإن المبلغ الذي تدين به الحكومة يعتبر صغيراً نسبياً. إذ تمتلك البلاد نحو 40 مليار دولار من سندات العملات الأجنبية المقومة بالدولار واليورو، وهي قيمةٌ ضئيلة مقارنةً بحجم اقتصادها وبالعديد من الدول المماثلة. بينما يمتلك المستثمرون الأجانب 28 مليار دولار من الديون الروسية بعملة الروبل.

وقد كانت فاتورة الوصول إلى هذه الأرضية المالية الصلبة باهظةً بالنسبة للحكومة الروسية، وخسارة مركزها المالي الذي عملت عليه لسنوات طويلة وبذلت فداءً له الكثير من الوقت والجهد والموارد ستكون بالفعل خسارة صادمة.

ما هي تداعيات التخلف عن السداد بالنسبة للاقتصاد الروسي؟

يزيد التخلف عن سداد الدين من صعوبة وتكلفة الاقتراض مستقبلاً، نظراً للضرر الذي يلحق بسمعة المتخلفين. لكن روسيا أصبحت معزولةً بالفعل على الساحة الدولية بعد هجومها على أوكرانيا. كما حظرت الحكومات الأجنبية على الدولة الروسية جمع أموالٍ جديدة في أسواق رأس المال، مثل بورصتي لندن ونيويورك.

وترى مؤسسة التمويل الدولية أنّ العقوبات التي رفعت تكلفة التمويل ستضرب المركز المالي للحكومة، وربما تجبر موسكو على خفض نفقاتها أو زيادة الضرائب.

في الاتجاه المقابل، يقلل البعض من أهمية هذه التداعيات، معتبرين أن روسيا، مع أول رصاصة أطلقتها في هذه الحرب، كانت تدرك جيدًا حجم التحدي الذي دخلته، وتدرك أيضًا أنها ستتعرض للنبذ من الكيانات الاقتصادية العالمية الكبرى سواءً تخلفت عن السداد أم لا.