ماذا يحدث حين تعلن دولة ما إفلاسها؟

كانت الدول التي تقدم الديون في الماضي تستخدم القوة العسكرية ضد الجهات المستدينة التي أنكرت التزاماتها أو أعلنت أنها لن تقوم بسدادها، ولم يكن الخيار العسكري دائماً أمراً مجدياً ناهيك عن تكاليف الحروب، التي تثقل كاهل الجميع من كافة النواحي.

أما في الحاضر فإن الدول تحسب ألف حساب قبل التفكير في إعلان إفلاسها وعجزها عن سداد الديون، فضلاً عن إنكار الالتزامات المترتبة عليها والإفصاح بعدم الرغبة في دفعها. لأن ذلك سيكلف الدولة والمجتمع ثمناً غالياً قد يمضون عقوداً من أعمارهم عاجزين عن دفعه في براثن الفقر والركود.

وإذا أخدنا لبنان مثالًا، فلنا أن نسأل ماذا يحدث حين تعلن الدولة إفلاسها، أو ماذا يعني أصلًا إفلاس الدولة؟

الدول لا تفلس... ولكن:

بنفس الطريقة التي يُنفق بها الأفراد ويلجؤون أحيانا إلى الاقتراض، كذلك تفعل الحكومات من خلال إصدار سندات لآجال مختلفة مع وعد بسداد قيمتها الأصلية مع الفائدة حين الاستحقاق.

ويشكل مجموع الديون الداخلية والخارجية ما نسميه بالدين الوطني، الذي يشار إليه عادة بالديون السيادية.

إن الديون الخارجية هي سندات مقومة بعملات أجنبية تصدرها الحكومة وتباع للمستثمرين الأجانب، أما الديون الداخلية هي الديون المستحقة لمن هم داخل الدولة.

ويمكن تمويل الديون الداخلية من خلال السياسة المالية والنقدية - عن طريق زيادة الضرائب وطباعة المزيد من الأموال - لكن الديون الخارجية يمكن أن تحول الأموال بعيدا عن الأنشطة الأخرى المدرة للدخل حيث يجب دفعها بالعملة الأجنبية، والتي لا تسيطر عليها الحكومة.

تأسيسًا على ذلك، فإن عبارة "الدولة تعلن إفلاسها" هي عبارة خاطئة بالتأكيد. فعندما تفشل دولة ما في سداد ديونها، فإنها في الواقع لا تفلس، بل تتخلف عن سداد الدين. ومن يتخلف عن السداد هو الحكومة، أي السلطة التنفيذية، وليس الدولة بأسرها.

ومع أن تخلف دولة ما عن سداد ديونها أمر غير شائع، إلا أن معظم البلدان تخلفت عن السداد ديونها أو أعادت هيكلة ديونها في مرحلة ما من تاريخها.

وغالبا ما تستنجد الدول بـ "صندوق النقد الدولي" قبل إعلان تخلفها عن سداد قروضها، بحيث يوفر لها الموارد المالية والخبرة الفنية للسير ببرنامج الإنقاذ. ومع ذلك، فإن أموال الإنقاذ لا تأتي أبدا من دون قيود، كالتقشف وتخفيض قيمة العملة وتحرير التجارة.

ماذا يحدث عندما تتخلف الدول عن سداد ديونها؟

أحد الخيارات المطروحة هو إمكانية وضع اليد على أصول الدولة الموجودة خارج أراضيها. على سبيل المثال، عندما تعثرت الأرجنتين عام 2012، تم الاستيلاء على سفينة تدريب بحري تابعة لها وكانت غانا مقرها حينذاك.

ماعدا ذلك، فإن الخيار الوحيد أمام دائني الدولة هو اللجوء إلى إعادة التفاوض بشأن شروط القرض، بحيث تتم إعادة جدولة السندات الحكومية بالدفع المؤجل وأحيانا "الشطب"، بما يعني تخفيض قيمة السندات في نهاية المطاف.

إن خسارة الدائن المبدأ ورأس المال نتيجة الإلغاء الجزئي للديون أو إعادة هيكلتها تُعد التكلفة المباشرة للتخلف عن السداد. ونظرا لانخفاض احتمال الانتقام، من المرجح أن تلغي الحكومة المعنية الديون المستحقة للدائنين الأجانب من القطاع الخاص.

لكن ذلك لن يمضي بدون ثمن، بل سيتحزب القطاع المالي العالمي بالكامل ضد الدولة المتخلفة، ولن يكون بمقدورها الحصول ولو على دولار واحد من أي مصدر بديل.

هذا أوضحه نائب رئيس "سيتي بنك" حين قال: "إن الدائنين ليسوا مجرد مجموعة من الأفراد الضعفاء بل هم مجموعة قوية تتكون من أكبر البنوك في العالم. وأي دولة ستقرر التخلف عن سداد ديونها ستجد النظام المصرفي بالكامل ضدها. لن يحصلوا على أي ائتمان على الإطلاق ولا حتى على المدى القصير".

باختصار... في العقود الأخيرة تعززت قوة الدائنين القائمة على امتلاك السوق نفسه والتصرف بشكل جماعي في مواجهة أي محاولة للتمرد على النظام من قبل أي دولة مهما علا شأنها.

إضافة إلى ذلك، تؤدي حالات تخلف الحكومات عن السداد إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والضغط السياسي على الحكومة المتعثرة، تماما كما يحدث في أي أزمة أخرى.

ولأن المصارف المحلية تمتلك غالبية الديون المحلية، فإن البلد يشهد تدافعا لسحب الأموال من البنوك نتيجة تلاشي الثقة في النظام المالي. ولذلك تعمد الحكومات إلى وضع ضوابط على رأس المال (كابيتال كونترول) للحيلولة دون انهيار القطاع واضمحلال السيولة، ومن تلك الإجراءات الحد من مقدار الأموال التي يمكن للمودعين سحبها.