الحكومة السورية توفر مبالغ هائلة بعد شهرين من رفع الدعم... أين ذهبت؟

على الرغم من الأزمات المتتالية وظهور "ترندات جديدة"، لم ينس أحد من أهالي سوريا تهديدات رفع الدعم، والحملة التي حدثت قبل شهرين من الآن حين تم استبعاد 596 ألف أسرة، بحجة أنهم ميسوري الحال، وما تخلل ذلك من اعتراض أكثر من 300 ألف أسرة على نظام التقييم، والاتهامات بحدوث أخطاء.

لكن وفي النهاية، فقد اضطر بعض الناس الذي أجبروا على تقبل الأمر الواقع أن يواسوا أنفسهم بالقول: "لعل الوفورات المحققة تذهب في أمر لمصلحة البلاد والعباد".

بترجمة حديثنا إلى لغة الأرقام، وفي الأيام الأولى لتنفيذ مشروع رفع الدعم، ذكر مسؤولون حكوميون أن الوفر المحقق تصل قيمته إلى ألف مليار ليرة، وهو ما يشكل نسبة قدرها 18% من إجمالي اعتمادات الدعم في موازنة العام الحالي والبالغة حوالي 5529 مليار ليرة.

وقد كان لسان حال البعض بالتعليق على هذه الأرقام يقول "لكن دعنا نكون صريحين؛ من يثق ببيانات الحكومة؟"

ولهذا السبب فقد لجأ البعض إلى التدقيق وراء دفاتر الحكومة بأنفسهم، وكانت النتيجة الصادمة أن المبالغ الحقيقية الموفرة أكبر من ألف مليار ليرة، "مما يشكل لطخة وعار في سجل أصحاب القرار والمسؤولين" كما يصف مراقبون.

هذا الأمر طرح تساؤلات عدة حول المنهجية الحكومية المتبعة في احتساب التقديرات الخاصة بالدعم، خاصة بعد التناقض الواضح والصريح في كلف السلع المدعومة، وتحديداً بين ما يقوله المسؤولون الحكوميون، وبين ما هو وارد في الموازنة العامة للدولة لهذا العام.

كم توفر الحكومة جراء رفع الدعم؟

قام موقع "أثر بريس" المحلي، بحساب مفصل لتحديد الأرقام الأقرب للحقيقة، وتم احتساب الأمر كما يلي:

إذا كان وسطي عدد أفراد الأسرة السورية كما هو متعارف عليه إحصائياً هو خمسة أفراد، فهذا يعني أن رفع دعم مادة الخبز عن حوالي 596 ألف أسرة سوف يوفر على الخزينة العامة حوالي 415 مليار ليرة، بناء على أن استهلاك الأسرة المكونة من خمسة أفراد عبارة عن ربطتين يومياً وفق مخصصات وزارة التجارة الداخلية.

والأسرة ستكون كذلك مضطرة لشراء كمية 100 ليتر مازوت للتدفئة بسعر 1700 ليرة، وبذلك يكون الوفر المتحقق من مادة مازوت التدفئة حوالي 71 مليار ليرة.

أما فيما يتعلق بالغاز المنزلي، فإذا افترضنا أن الأسر تحصل سنوياً على خمس أسطوانات غاز منزلي (كل 70 يوماً أسطوانة)، فإن حجم الوفر يمكن أن يتجاوز 56 مليار ليرة.

وبالانتقال إلى مادة البنزين، فإن الوفر المتحقق جراء رفع الدعم عن 47% من السيارات الخاصة يصل إلى 821 مليار ليرة سنوياً، وذلك استناداً إلى تقديرات وزارة النفط، والتي قالت فيها إن دعم مادة البنزين يبلغ سنوياً حوالي 1747 مليار ليرة.

وهكذا يكون إجمالي الوفر المتحقق من رفع الدعم عن 596 ألف أسرة يمكن أن يصل سنوياً، وبشكل تقديري، إلى حوالي 1363 مليار ليرة، وهو رقم يزيد عما جرى تداوله رسمياً.

أما السؤال الذي يفرض نفسه تاليًا، فهو عن مصير هذا الوفر، وعن سبب طمس الأرقام الحقيقية واستغباء الشعب... ولما كان أغلبكم قد جاوب على هذا السؤال في ذهنه مباشرة، يأتي الدور على الذي يليه: "إلى متى سيبقى الفاسدون بلا محاسبة؟".