بعد توقف 5 سنوات... سوق الصرف السوداء تعود للعمل وعطش الدولار يبدأ في مصر

عادت السوق السوداء للدولار في مصر مرةً أخرى خلال الأيام الماضية، بعد غيابٍ استمر قرابة خمس سنوات. مما ينذر بأن تعويمًا آخر للجنيه قد يكون على الطريق.

وقبل 5 سنوات تقريبًا، كانت سوق الدولار السوداء قد توقفت في أعقاب تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وحصول مصر على قروض غير مسبوقة من المؤسسات المالية الدولية منها 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وحده، فضلا عن قيام السلطات بمداهمات وملاحقات واسعة بحق معظم شركات الصرافة العاملة في السوق.

لكن الضغوط المالية المتسارعة التي تشهدها البلاد، بفعل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ومخلّفات جائحة كورونا على مدار العامين الماضيين، وسياسة الإنفاق الضخمة على مشاريع إنشائية كبرى غير ذي جدوى اقتصادية كبيرة، تعيد أزمة التمويل إلى الواجهة من جديد، لتواجه قطاعات واسعة من المستثمرين صعوبات في الحصول على النقد الأجنبي لإتمام صفقات الاستيراد.

عطش الدولار يبدأ في مصر:

يؤكد صرافون ومتداولون من مصر، أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء التي ظهرت بقوة في الأيام الأخيرة، وصل إلى 17.80 جنيهاً، بينما يدور في نطاق 15.70 جنيها في البنوك وشركات الصرافة.

ولم تقتصر السوق السوداء على الدولار، وإنما العملات الصعبة الرئيسية الأخرى، منها اليورو والريال السعودي، إذ يزداد الطلب عليها من رجال الأعمال، والراغبين في السفر، أو شراء مستلزمات من الخارج، عبر شركات الشحن والتوزيع الدولية والمحلية، وعودة رحلات العمرة.

وقد بدأت السوق السوداء في مناطق متفرقة، بين تجار الذهب والسلع الرئيسية في القاهرة، والأسواق الكبرى في المحافظات، الذين خضعوا لقواعد الاستيراد السلعي التي حددها البنك المركزي، وشرع في تنفيذها على كل الرسائل التي يطلبها التجار، اعتباراً من الأسبوع الحالي.

تلك القواعد باتت تلزم بسداد قيمة الواردات، وتدبير العملة الصعبة، بنسبة تصل إلى 100% من قيمة الصفقة، ووضعها على قوائم انتظار في البنك المركزي ليحدد أولوية الواردات، وفقا للاحتياجات العامة التي تضعها الحكومة.

ومع خشية التجار من توقّف أعمالهم، وهيمنة الشركات الكبرى على سوق الواردات، شرعوا في شراء العملات الأجنبية من السماسرة، وفق متعاملين في سوق الصرف كما أكدت صحيفة "العربي الجديد".

ودخل كبار رجال الأعمال، من أصحاب المصانع والشركات العقارية، في منافسة مع تجار السلع الغذائية والإلكترونية والملابس، لتدبير العملة اللازمة لمواردهم، من الخامات ومدخلات الإنتاج للصناعات المختلفة.

وكل ذلك ترافق مع تصاعد موجات سريعة من الغلاء، في أسعار المواد البترولية والكيماوية والتكنولوجية، والطبية، والمعادن والشحن، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

ولم يقتصر طلب الدولار الواسع على أصحاب الأعمال، وإنما أيضا من قبل أصحاب المدخرات الذين يخشون تآكل قيمة أموالهم مع الانخفاض المحتمل للجنيه وقفزات الأسعار التي تشهدها مختلف السلع، الأمر الذي يعيد ما يعرف بـ"الدولرة" إلى السوق، وهي تحويل الجنيه إلى الدولار بغية اكتنازه.

ورغم وجود طفرة في دخل البلاد من العملة الصعبة، من تحويلات المصريين العاملين في الخارج، إذ زادت عن 31 مليار دولار العام الماضي، وارتفاع معدل الصادرات المصرية للسلع غير النفطية، وعوائد قناة السويس، وتراجع الواردات، إلا أن فجوة العجز في الميزان التجاري تتسع بشدة حاليا، مع الارتفاع الشديد في قيمة المنتجات البترولية، وجميع الواردات غير النفطية.

أجواء ما قبل تعويم الجنيه:

يؤكد مطلعون على الشأن الاقتصادي في مصر، وجود تشابه بين الأجواء الحالية في سوق الصرف وتلك التي كانت في فترة ما قبل تعويم الجنيه المصري، في أعقاب اتفاق للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

ويوم الخميس الماضي، نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية عن مصادر مطلعة أن مصر تجري محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن دعم محتمل يمكن أن يشمل قرضاً جديداً، إذ تضيف الصدمات الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا الضغط على اقتصاد البلاد.

وأشارت المصادر إلى أنّ المناقشات بين الجانبين تشمل العديد من الخيارات، بما في ذلك ما يُسمى بخط التمويل الاحترازي، أي الائتمان الذي يمكن الحصول عليه عند الضرورة.

وشرعت مصر في تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي لمدة ثلاث سنوات في أواخر عام 2016، ووافقت على قرض بقيمة 12 مليار دولار مع خفض قيمة العملة بشكل حاد، وتقليص دعم السلع، وتحرير أسعار الطاقة، ما ألقى بظلال سلبية واسعة على شرائح كبيرة من المجتمع، لا سيما محدودي الدخل والفقراء.

وتشير البيانات الحكومية إلى أنّ الفقراء يمثلون نحو ثلث سكان البلاد الذين يتجاوز عددهم 102 مليون نسمة، بينما تشير تقارير صادرة عن مؤسسات اقتصادية مستقلة محلية ودولية إلى أن النسبة الحقيقية تتجاوز 50% من السكان.

وفي وقت سابق من مارس/آذار الجاري، ذكر بنك الاستثمار الأميركي "جيه بي مورغان" أنّ العملة المصرية حالياً أعلى من قيمتها بأكثر من 15%، مشيراً إلى أنّ خفضاً كبيراً في سعر صرف الجنيه قد يكون مطلوباً، إذ قد تحتاج الدولة إلى مزيد من مساعدات صندوق النقد الدولي، إذا استمر تفاقم ضغوط الأسواق المالية.

وقدم البنك الأميركي عدة سيناريوهات للجنيه خلال الفترة المقبلة، منها أن يتراجع إلى مستوى 17.25 للدولار.