عندما تعاقب أكبر دولة بالعالم... شركات الطيران تعاني الأمرين لتجنب المرور من روسيا
لطالما كانت روسيا جزءاً لا يتجزأ من خريطة الطيران العالمي، حتى خلال الفترة التي سبقت سقوط الاتحاد السوفييتي؛ إذ اعتادت مئات الرحلات الجوية عبور أجواء مساحتها الأرضية الشاسعة كل يوم، لربط أوروبا والولايات المتحدة بآسيا.
علاوةً على ذلك، تُعَدّ الخطوط الجوية الروسية "إيروفلوت" (Aeroflot) من بين أقدم شركات الطيران في العالم، وقدّمت خدماتها عبر نحو 50 دولة باستخدام أحدث الطائرات التي تتراوح بين طُرز شركتَي "إيرباص" و"بوينغ".
كما شكّلت حقوق التحليق، التي منحتها روسيا لأكثر من 300 ألف طائرة تستخدم مجالها الجوي كل عام، أحد مصادر دخل الحكومة عبر تحصيل ملايين الدولارات كرسوم.
أمام كل هذه المعطيات، ندرك فورًا أن الغزو الروسي لأوكرانيا قلب عقوداً من التحالفات المتزايدة في قطاع الطيران التجاري، وقلب الطاولة أيضًا على قطاع الطيران في العالم ككل.
الدول المتصارعة تعاند بعضها:
عقب حظر المملكة المتحدة لشركة "إيروفلوت"، وشركات الطيران الروسية الأخرى، دخول مجالها الجوي أواخر الشهر الماضي، وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات شاملة على روسيا؛ ردَّت الأخيرة بالمثل، وحظرت فعلياً على كل دول أوروبا -بما في ذلك سويسرا المحايدة تاريخياً- استخدام مجالها الجوي.
وسرعان ما حذت الولايات المتحدة أيضًا حذو حلفائها الأوروبيين، وأغلقت مجالها الجوي أمام روسيا.
وقد أحدثت هذه الخطوة فجوة هائلة في خريطة الطيران العالمية، إذ يُعَدّ عبور الأجواء الروسية الطريق الأسرع بين أوروبا وشمال آسيا، فيما يُعَدّ الالتفاف حول هذا البلد الشاسع أمراً صعباً للغاية.
وبالفعل؛ قالت "فين إير" (Finnair)، الناقل الوطني لجمهورية فنلندا، التي تعتمد رحلاتها الطويلة إلى سيول، وشنغهاي، وطوكيو على الوصول إلى المجال الجوي لسيبيريا، إنَّ إطلاق العديد من الرحلات الجوية لم يَعُد منطقياً من الناحية الاقتصادية.
تكلفة الصراع مع أكبر دولة من حيث المساحة بالعالم:
تقول "إليزابيث براو"، الزميلة البارزة في معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة، والمتخصصة في القضايا الأمنية: "لقد استخدم الروس أداة قوية بشكل لا يصدق عبر إغلاق مجالهم الجوي. إنَّه بمثابة الطريق السريعة بالنسبة إلى الطيران الدولي. ومن الواضح أنَّ ذلك يشكّل تطوراً سيئاً بالنسبة إلى الاقتصاد المعولم".
لكن على الرغم من أنَّ الطائرات الحديثة تتمتع بالقدرة على التحليق لمسافات أبعد بكثير، إلا أنَّ الرحلات المعاد توجيهها تستغرق وقتاً طويلاً، وتزيد من التلوث، ومن المحتمل أن تشكّل عبئاً مالياً كبيراً على صناعة ما تزال تعاني من تداعيات جائحة "كورونا".
عملياً؛ أدى تجنّب المجال الجوي الأوكراني إلى إطالة أوقات الرحلات عبر الممرات الجوية التي تربط محاور مثل: لندن، وأمستردام، وفرانكفورت بمطارات في الخليج العربي، كما طالت مسافات وأوقات الرحلات الجوية بين المدن في أوروبا وآسيا.
رحلات الشحن والبضائع مشكلة أخرى:
في الوقت الذي توقَّفت فيه شركات الطيران عن تسيير العديد من خطوط الركاب منذ إغلاق روسيا لمجالها الجوي؛ فإنَّ رحلات الشحن توضح مشكلات التخطيط التي تواجه شركات الطيران التي تنجح في التحليق.
وفقاً للخبير الاستشاري في قطاع الخدمات اللوجيستية "برايان كلانسي"؛ فإنَّه في ظل حظر المسارات الجوية عبر سيبيريا في الوقت الحالي، أصبحت رحلات البضائع المنقولة جواً إلى أوروبا من المصانع في الصين وكوريا الجنوبية واليابان، تتخذ المزيد من الطرق الملتوية التي تزيد من أسعار الشحن المرتفعة بالفعل.
وبحسب موقع "فلايت رادرا 24" (FlightRadar24) لتعقب حركة الطائرات التجارية في الوقت الفعلي؛ فإنَّ رحلة شركة "لوفتهانزا للشحن" (Lufthansa Cargo) المنتظمة من فرانكفورت إلى طوكيو، أصبحت أطول بمقدار 2000 كيلومتر (1243 ميلاً) عما كانت عليه قبل الحظر، الأمر الذي زاد من وقت الرحلة بأكثر من ساعتين، واستهلاك حوالي 18 طناً إضافية من وقود الطائرات.