كيف يعيش السوريون شهرًا براتب يكفي لأسبوع؟
كيف يستطيع المواطن السوري العادي أن يحصل على لقمة عيشه ويؤمّن الطعام والمأوى والخدمات لعائلته وهو يحصل في الشهر على راتب لا يكفي لأسبوع؟
قد تكون إجابة هذا السؤال بالنسبة للبعض هي الحوالات الخارجية أو المساعدات من الأقارب في المهجر، وبالنسبة لآخرين هي العمل لأكثر من 12 ساعة يوميًا. لكن ذلك لا ينطبق على الجميع، فالراتب الذي لا يكفي لشراء الخبز والرز قد خلق فئة جديدة في المجتمع السوري أصبحت تعتاش على الفساد.
وهذا الأمر البسيط يفسر أغلب مشاكل المجتمع السوري، ويفسر أيضًا وجود تجار الأزمات والسماسرة الفاسدين ومسيري المعاملات... مهما نظرنا للأمر وتعمقنا بتحليل المشاكل في المجتمع سنصل إلى نقطة واحدة، وهي: "الراتب لا يكفي".
حالة تشويه اقتصادي... الأجور في سوريا ليست قليلة بل غير واقعية:
في هذا الصدد، يرى الدكتور الاقتصادي "هاني الخوري" أن المعاشات والأجور اليوم في سورية أقل من أي معدل معقول وأنه لا يمكن استمرار مستويات الأجور الحالية معتبراً أن الأجور لا تشكل ميزة تشغيلية لأن قيمة الرواتب تمنع نمو السوق ولا تدعم الاستهلاك.
وأكد أنها ليست واقعية تجاه الحاجة الحقيقية بل تشكل حالة تشويه اقتصادي وتنموي وهي بحاجة إلى مضاعفة عدة مرات وخلال فترات قريبة حتى يستعيد السوق عافيته وتوازنه ويعيد للعمل قيمته وقدسيته.
ويشرح "الخوري" أن المفهوم العام للأجر أو الراتب قد تغير ولم يعد المعاش الرسمي مصدر استقرار، وتولد بديل منه آليات بيروقراطية وفساد وثمن خدمات مالية مختلفة تعوض بالأجر للعامل في القطاع العام، ومجالات فساد تتعلق بالتهريب والإتاوات والاحتكار والجشع بين التجار.
كل ذلك بالإضافة للاعتماد على المساعدات العائلية والتحويلات من الأهل والأصدقاء في المهجر، قد ولد اتجاهات تتعلق بانخفاض قيمة العمل وقدسيته في ذهن العاملين في القطاع العام والخاص.
وأضاف: "كما أنه أصبح هناك توجه عميق لدى الشباب السوري للهجرة لتأمين مستقبله، في الوقت الذي نجد فيه نزفاً كبيراً في الموارد البشرية والعقول من القطاع العام أولاً ومن البنية الوطنية."
وتساءل "الخوري" من يحدد قيمة الراتب في المؤسسات العامة وعن ماذا يعبر اقتصادياً. موضحًا أن بند الرواتب والأجور والتعويضات المرتبطة بها في مجمل الميزانيات السورية يعبر عن نسبة عالية من قيمة الميزانية سواء من المصاريف الجارية أم من قيمة الميزانيات الاستثمارية.
وتراجعت القيمة الحقيقية للرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص بشكل حاد من عام لآخر من سنوات الأزمة، متأثرةً بتغير سعر صرف الليرة وعدم تمكن الدولة من رفع قيمة الرواتب والأجور بفعل كساد الأزمة وتدهور حالة التشغيل في المؤسسات الخاصة والعامة ونقص الإنتاج والموارد، وتدمير وسائل الإنتاج.
ولفت "الخوري" إلى أن الرواتب في فترة الأزمة ارتفعت بشكل متدرج وأبطأ كثيراً من تحولات القيمة الشرائية لليرة وقيمة الدخل المتراجعة بشكل عام، التي أدت إلى تراجع قيمة العمل والتشغيل في سورية، بعد تراجع القطاع الصناعي والمهني والميزانيات الاستثمارية للدولة والتراجع الحاد للقطاع الزراعي.
وأضاف: "سرعان ما أصبحت المؤسسات العامة بالتدريج بيئة طاردة للخبرات وتراجع حجم التشغيل بشكل عام في المؤسسات العامة وتكرست نظرة لدى المجتمع بأن قيمة الرواتب والأجور في القطاع الخاص تتعافى بشكل أعلى نسبياً دوماً من القطاع العام. وبعد خمس سنوات من الأزمة صرنا نشهد أجوراً ومعاشات في القطاع الخاص تفوقها بنسبة مئتين إلى ثلاثمئة بالمئة للأجور الموازية في القطاع العام ومؤسساته."
وفي النهاية فقد أدى ذلك إلى تراجع عدد العاملين في كثير من المجالات الحساسة في مؤسسات الدولة، وتراجع الاهتمام بالتدريج بمسابقات التوظيف وارتبط التشغيل في النهاية بوجود تكاليف النقل إلى العمل وبوجود مزايا في التشغيل.