صاحب المصلحة... لماذا يهرع الناس إلى الذهب عند الأزمات ويتخلون عنه فور انقضائها؟

يتكرر هذا السناريو منذ عشرات بل مئات السنين، ففي كل كارثة أو أزمة تحل على العالم نرى الناس تنكب على شراء وادخار الذهب؛ حتى بعدما أصبحت تعاملاتنا بالعملات الورقية، وأصبحنا نستطيع امتلاك عملات قوية كالدولار واليورو، إلا أنه مع كل أزمة لا ملاذ آمن ينافس الأصفر الثمين.

لكننا لا نعامل الذهب بشكل منصف تمامًا بل نسارع للتخلص منه عندما نشعر بأننا وصلنا إلى بر الأمان، ويعود إلى وظيفته التقليدية... ليس أكثر من مجوهرات.

لماذا نهرب إلى الذهب في أوقات عدم اليقين؟

في فلسفته الخاصة حول الذهب الذي حمل تجاهه الكراهية التاريخية الطويلة، يقول المستثمر الشهير ورجل الأعمال الملياردير "وارن بافيت"، إن "الذهب يستخرج من الأرض، ثم نقوم بصهره، ونحفر مكاناً جديداً في الأرض لنضعه فيه، وندفع أموالاً لأشخاص من أجل حراسته، إنه لا يمثل أي منفعة".

ومع ذلك فإننا ما نزال نحب الذهب، خاصة في أوقات عدم اليقين أو عدم الاستقرار.... فلماذا؟

الجواب البسيط هو أن الذهب نجح في الماضي، وأثبت جدارته لمن راهن عليه، وبناءً على التجارب السابقة في أزمة ما يؤمن الناس بخاصية الملاذ الآمن للذهب وهي فعّالة لأنهم يؤمنون بها.

تم استخدام الذهب منذ العصور القديمة كمخزن للقيمة، أي كأداة للادخار، ما يساعدها في تحقيق هذه الحالة هو جاذبيتها الجمالية، وقابليتها للتطويع (مع نقطة انصهار منخفضة نسبياً تجعل من السهل إنتاج العملات المعدنية أو المجوهرات)، وعدم قابلية التدمير الافتراضية (تقريباً كل الذهب الذي تم العثور عليه أو التنقيب عنه لا يزال موجوداً)، والأهم من ذلك ندرته.

على الرغم من أن مئات الآلاف من البشر قد حفروا لاستخراج الذهب ونظفوه وفصلوه عن التراب عبر التاريخ، إلا أن كمية الذهب المستخرج لم تكن كافية لخفض قيمته.

وبسبب هذه الميزات، أصبح الذهب أساساً للمال، ولعب دوراً نقدياً رسمياً خلال فترات العمل بنظام "معيار الذهب الدولي"، ما تطلب من الدول الاحتفاظ باحتياطيات الذهب كدعم لعملتها.

ولا تزال البنوك المركزية تحتفظ باحتياطيات ضخمة من الذهب. من بين 197,576 طناً من الذهب المستخرج عبر التاريخ، يقول مجلس الذهب العالمي إن 17.2% (كسبائك أو عملات معدنية) مملوكة من قبل الحكومات والبنوك المركزية، و21.6% من قبل مستثمري القطاع الخاص، وحوالي 47% كمجوهرات، و14.2% ذهبت لاستخدامات أخرى (كما هو الحال في الإلكترونيات).

لماذا الذهب بالذات؟

في حين أن الذهب والفضة والبلاديوم والبلاتين كلها معادن ثمينة، فإن الثلاثة الأخيرة لا تعتبر ملاذات آمنة مقبولة بشكل عام، لأنها لعبت دوراً نقدياً واستثمارياً مختلفاً في الماضي.

قد يكون الذهب أيضاً ملاذاً آمناً لأنه بسيط ومعروف، وهو أول ما يتبادر إلى الذهن عندما يواجه المستثمرون حالة من عدم اليقين الشديد، أو تواجه الدول أو الشعوب اضطرابات ما.

من المفارقات أن هذه البساطة الظاهرة لا تعني سهولة فهم أسعار الذهب، فبعض العوامل التي تؤثر على سعره ملموسة، مثل العرض والطلب المادي، لكن العديد من العوامل التي تؤثر على سعر الذهب أقل وضوحاً، مثل تغير المفاهيم والتفضيلات ونظرة المستثمرين ومعنويات السوق.

وكما قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "بن ​​برنانكي" في عام 2013: "لا أحد يفهم أسعار الذهب، وأنا لا أتظاهر بفهمها أيضاً".

لماذا نعامل الذهب كصديق المصلحة؟

في الواقع إن الذهب – وعلى الرغم من أنه أثمن أصل مالي بالنسبة للبشر – إلا أنه ذو جدوى استثمارية ضئيلة للغاية، فإذا أردت أن تتصرف بأموالك في مجالات مثل الاستثمار والتجارة والصناعة، لن يفيدك الذهب في شيء حتى تحوله إلى دولار أو عملة أخرى.

والعائد الذي نحصل عليه من الذهب منخفض جدًا في أوقات الاستقرار، أما الأصول عالية المخاطرة فهي أكثر إغراءً حينها.

ناهيك عن كل ذلك، فإن العالم يمنع الذهب من تأدية وظيفة نقدية، والبنوك المركزية تغري المستثمرين بالفوائد والقروض والسندات حتى تبعدهم عن الذهب ما أمكن، وتفرض الحكومات قيودًا شديدة عليه عند السفر والتنقل.

وإذا كنت تعتقد أن المستثمر الذي يخزن الذهب في أوقات الاضطراب يفعل ذلك للربح فأنت مخطئ للغاية؛ ذلك أنه حين تصل أونصة الذهب إلى 2000 دولار تقريبًا، لا يعني ذلك أن قيمة الذهب هي التي ارتفعت، بل قيمة الدولار قد انخفضت بسبب المشاكل الاقتصادية والتضخم وما شابه. لذا فالمستثمر حين يخزن الذهب، يهتم بالحفاظ على قيمة أمواله أكثر من تنميتها.